د. علي بكراكي - خاص ترك برس

أيام قليلة ومعدودة هي تلك التي تفصلنا عن الإنتخابات البرلمانية المبكرة في تركيا. أحداث كثيرة تتسارع على المشهد التركي لتزيد من تعقيد صورة الوضع القائم منذ بضع شهور خلت. فالجبهة في جنوب شرق البلاد قد استعرت، ويكاد لا يخلو يوم واحد دون حصول عمل إرهابي هنا أو هناك لضرب صوة البلد الآمن وزعزعة الاستقرار الإقتصادي الذي نعمت به تركيا خلال الفترة الماضية. وأخيرًا فقد وصلت يد الإرهاب إلى العاصمة أنقرة بكل ما تحمله العملية من مدلولات ومعان ورسائل كثيرة إلى الشعب والحكومة على قدر سواء. فالحصيلة الأولى للتفجير الذي وقع في محطة قطارات العاصمة قد وصلت الى عشرات القتلى وعدد كبير من الجرحى ينتمي معظمهم الى مؤيدي وأنصار حزب الشعوب الديموقراطي الذي نجح في تخطي العتبة البرلمانية في الإنتخابات الأخيرة وحاز على ثمانين مقعدًا في البرلمان التركي. وفي حين أن الرئيس داود أوغلو قد وجه أصابع الإتهام إلى حزب العمال الكردستاني أو ما يعرف بمنظمة بي كي كي التي تعتبر الجناح العسكري لهذا الحزب، فإن هذا الأخير قد سارع إلى إصدار بيان يدعو فيه مقاتليه إلى وقف العمل المسلح في تركيا والتبرؤ من هذا العمل الإرهابي وتوجيه أصابع الاتهامات كلها الى الحكومة التركية.

لقد استغلت المعارضة السياسية بكل أطيافها هذا الحدث لتستفيد منه في شن هجوم عنيف على الحزب الحاكم في البلاد. فعلى الرغم من أن مناصري حزب الشعوب الديموقراطي قد وجهوا أصابع اتهامهم للدولة العميقة والقوميين الأتراك واصفين ما حصل بالمجزرة التي ارتكبت بحقهم، فإن رئيس حزب الحركة القومية دولت باهتشالي قد سارع إلى استهجان ما حصل داعيًا إلى مساءلة جميع أجهزة الأمن والإستخبارات التي عجزت عن صد هذا الهجوم قبل حصوله في قلب العاصمة. لقد وجد باهتشالي الفرصة سانحة أمامه لانتقاد سياسة الانفتاح التي انتهجتها الحكومة مع المسألة الكردية ليقول أنها تحصد اليوم ما زرعته خلال سنوات طوال من التعاطف مع الإرهاب على حد قوله واتخاذ قرارات غير وطنية كما أسماها أوصلت البلاد الى ما هي عليه الآن. أما الأحزاب اليسارية فقد رفعت شعار محاربة الإرهاب داعية كل نقابات المجتمع المدني ومكوناته الى محاربة سياسة التفرقة بين أبناء الشعب الواحد كما وصفوها. لقد شن كمال كيليتش دار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري اليساري هجومًا قويًا على سياسة الحكومة في الشرق الأوسط متهمًا إياها بجر البلد الآمن والجميل إلى مستنقعات المنطقة الملتهبة وداعيًا الحكومة إلى تحمل مسؤولية كل ما يجري حاليًا في تركيا.

ويأتي الرد من الرئيس رجب طيب أردوغان الذي صرح قائلًا: (لا يوجد فرق بين كل ما تعرض له جيشنا وشرطتنا وموظفونا من اعتداءات وبين ما تعرض له الأبرياء اليوم من استهداف إرهابي غاشم. إن الهدف من هذا العمل الإرهابي هو زرع بذور الفتنة والشقاق بين أبناء الوطن الواحد. إنني أدعو الجميع إلى التصرف بوعي ومسؤولية وحذر وإلى الوقوف صفًا واحدًا في وجه التخريب والإرهاب. إن دولتنا ستفعل ما بوسعها لكشف المخططين والمنفذين لهذا العمل الإجرامي وستسوق المجرمين إلى العدالة).

إن الذي خطط لهذا العمل الإرهابي يهدف إلى زعزعة الثقة بالحزب الحاكم وشد عصب مؤيدي حزب الشعوب الديموقراطي الذي ظهر مجددًا بمظهر المسالم الضعيف المعتدى عليه في الوقت الذي بدأت فيه المؤشرات كلها تشير الى تراجع شعبيته وازدياد النقمة عليه بعد حوادث العنف والإرهاب المتكرر في جنوب شرق البلاد. لقد انفضح زيف الشعارات السلمية التي رفعها هذا الحزب خلال حملته الانتخابية الأخيرة والتي اكتشف الشعب التركي أنها كانت مجرد غطاء لوصوله إلى البرلمان ليرفع الصوت مجددًا بمطالبه العنصرية والانفصالية. يقول بعض المحللين أن انفجار أنقرة هو من عمل أجهزة مخابراتية تريد توجيه رسالة مزدوجة المعايير الى تركيا، فهي تهديد مباشر لها ولما تمثله من مواقف في السياسة العالمية والإقليمية كما هي ضربة تحت الحزام في جسد حزب العدالة والتنمية الذي كان يسير في خطى ثابتة نحو تحقيق أغلبية مطلقة وتشكيل حكومة منفردة في الانتخابات القادمة.

ويبقى التعويل الأساسي على الشعب التركي وعلى وضوح الرؤية أمام ناظريه لمواجهة التحدي والخروج من الأزمات التي تتربص بتركيا ولا تريد لها الخير. مما لا شك فيه أن الشعب سيقول كلمته في صناديق الإقتراع وسيعطي التفويض لمن يراه مناسبًا وإن غدًا لناظره قريب.  

عن الكاتب

د. علي بكراكي

رئيس الملتقى اللبناني التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس