خلود الخميس - جريدة الأنباء الكويتية

المعروف أن حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، يشحذ هذه الأيام أقصى طاقاته لفوزه في الانتخابات المبكرة المقررة في الأول من نوفمبر المقبل يؤهله لتشكيل الحكومة منفردا، وهذا هو السبب الرئيسي للانتخابات المبكرة التركية، فشل الأحزاب التركية الفائزة في البرلمان في تشكيل حكومة توافقية.

ما أثبتته التجارب وما زالت، ضعف الحكومات الائتلافية واعتبارها أسوأ وسيلة للإدارة التنفيذية للبلاد لاختلاف الخطط والبرامج والمبادئ التي تتبناها الأحزاب المختلفة، وتقديم الخطاب الحزبي على خطاب الدولة.

منذ تقلده إدارة تركيا في العام 2002 هذه هي المرة الأولى التي يواجه العدالة والتنمية معضلة الحاجة لحكومة ائتلافية، ذكر لي مقربون من الحزب أنه قد قام بالكثير من الإصلاحات الداخلية، والنقاشات التقييمية للوقوف على أسباب الفشل في بلوغ نسب وأرقام التأهيل لتشكيل حكومة كاملة، الأمر الذي دفع برئيسه أحمد داود أوغلو إلى تبني خطابا مختلفا في حملة الحزب الانتخابية للاقتراع المبكر، ويبدو أنه نجح إلى حد ارتفاع وتيرة الأعمال الإرهابية التي تشكك في قدرات الدولة الأمنية، وهي لعبة مكشوفة ومعروفة أياديها.

وآخر تلك العمليات الإرهابية «الترهيبية» كان يوم السبت الماضي في العاصمة أنقرة.

وائتلاف الإرهاب الذي يدير المشروع الدولي لإخضاع تركيا يتكون من: تنظيم بي كاكا ـ الكردي المسلح (طرف نزاع قديم) تنظيم داعش الاستخباراتي (طرف نزاع جديد)، ومرتزقة من المسلحين ينفذون توجهات السياسة الدولية التي تخالف السياسة التركية، خصوصا موقفها من إسرائيل والثورات العربية، وذلك عبر «اتفاقات تحت الطاولة الديبلوماسية» الذي تمارسه بيد مافيات بالوكالة.

والدعم «اللوجستي الإعلامي» لمشروع إرهاب تركيا، فيقدمه الإعلام العلماني وإعلام الدولة الموازية التركيين، والقنوات العربية الموجهة، وكبرى قنوات الغرب بغرض تقوية نشر فكرة سوء إدارة العدالة والتنمية للدولة التركية والتأثير على الانتخابات البرلمانية.

حزب «الشعوب ـ الكردي» يروج لقيام الحكومة بتفجير أنقرة لإفشال المسيرة التي دعا لها الحزب اليوم ذاته، وهذا تماما ما يسوقه الإعلام الغربي الذي تابعته طوال يوم السبت لأشاهد خطابا موحدا معادا للحكومة التركية، ويعمد للهجوم على الرئيس رجب طيب أردوغان شخصيا وتحميله المسؤولية.

والمراقب للشأن السياسي التركي يعلم جيدا أن حزب الشعوب ما كان من الممكن أن يحقق نسبة تؤهله لدخول البرلمان لولا مشروع المصالحة الوطنية الذي تبنى ملفه حزب العدالة والتنمية الحاكم والذي تابعه بشكل مباشر ودقيق الرئيس أردوغان منذ ان كان رئيسا للوزراء وكلف فيه رئيس الاستخبارات هاكان فيدان، ويعتمد على إلغاء النخبوية والعنصرية والتفرقة بين المواطنين، وإحلالهم بالمواطنة.

وقد كرر أردوغان في خطاباته أن المشاركة السياسية هي الحل لأي مكون في الدولة التركية لأخذ الحقوق عبر الوسائل القانونية، لا السلاح والقتل.

وعندما وضع العدالة والتنمية يده مع «الشعوب» ليصعد لمستوى الشريك السياسي في الوطن، أول إنجازاته طعن العدالة والتنمية في ظهره بإعلان عدم الرغبة في المشاركة في حكومة معه، وكان يسعى لكسب حزب الشعب (العلماني) والحزب القومي «المتحيز للقومية التركية، بينما العدالة والتنمية هو من قدم له الفرصة الذهبية ليكون مشروعا سياسيا لأتباعه عبر البرلمان ما يحقق العدالة للمواطنين بلا تفرقة مذهبية أو دينية أو قومية.

علمانية دستور تركيا يفترض أن تسمي الأتراك بالمواطنة فقط، وتتجنب الأبعاد والأوصاف العرقية والدينية والطائفية والمناطقية، لكن أول من انقلب عليها العلمانيون، بتبنيهم فكر القيادة السياسية للنخبة وهي منفردة لها ولاية أمر وشؤون الرعاع العامة باعتبارهم لا يصلحون إلا للتصويت لتلك النخل فقط لا للحكم.

والقوميون يرون تميز العرق التركي لا مساواته بالمواطنة، وإن خففوا خطاب التفرقة هذا مؤخرا ولكنه أحد مبادئهم الرئيسة.

والأكراد الذين تأثروا بمظلوميات تاريخية وتبين أن انخراطهم في السياسة للثأر لا لقناعة في المصالحة الوطنية، هل هؤلاء يدعمون مادة المساواة التي طرحها الدستور بين المواطنين؟!

من بقي يؤمن بعلمانية الدولة إذا، واضح أن حزب العدالة والتنمية هو الذي يعمل وحيدا من خلال الدستور، الدستور الذي يخالف كثيرا من قيمه المحافظة الإسلامية، وذلك لأنه يرى بأن الحلول السياسية هي الخيار الوحيد في إدارة الدولة بلا نزاعات، وأن أي تغيير يجب أن يبدأ من الدستور وبموافقة شعبية، لذا فإن الحزب يسعى جاهدا للحصول على نسبة تمكنه من تبني تغيير الدستور.

العدالة والتنمية وحيدا يطبق الدستور!

ويبدو أنه يدفع ثمن إيمانه، واستخدم كلمة الإيمان جوازا، بعلمانية الدولة، أي احترام دستورها الحالي، وعليه التراجع وتبني خطابا يتلاءم وقيمه الحقيقية، وألا يخاف من إرهاب أحد، وليكن شعار مرحلته المقبلة الآية القرآنية التي استشهد فيها زعيمه السابق ورئيس الدولة الحالي أردوغان في خطبته الشهيرة «لا تحزن إن الله معنا».

عن الكاتب

خلود عبد الله الخميس

كاتبة وروائية كويتية مختصة في الإعلام السياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس