محمد سالم الراشد - المجتمع

"سيبل إدموندز" (32 عاماً) أمريكية من أصل تركي، وُظفت مترجمة من قِبَل مكتب التحقيقات الفيدرالي بعد وقت قصير من هجمات 11 سبتمبر 2001م؛ لمعرفتها بلغات الشرق الأوسط، طردت من العمل بعد أقل من سنة فيما بعد (مارس 2002م)؛ لتقديمها بلاغات غير مطابقة للمواصفات، ولاقتراف بعض الخروقات الأمنية للمشرفين عليها.

و«سيبل إدموندز» من أشهر عميلات مكتب التحقيقات الاتحادي (FBI)، نالت "إدموندز" اهتمام الرأي العام بعد إعفائها من منصبها كمترجمة في مكتب التحقيقات الفيدرالية في مارس 2002م؛ حيث سيقت لها اتهامات بإفشاء أسرار الـ«FBI»، وتم قمعها بشدة من قبل الـ«FBI»، ووصفت بأنها "الشخص الأكثر تكميماً في التاريخ الأمريكي"! من قبل الاتحاد الأمريكي للحريات المدنية.

قالت في برنامج "The Eyeopener" الذي يقدمه "جيمس كوربيت": "إن رئيس الوزراء التركي "رجب طيب أردوغان" قد تغلب على أكبر أعدائه، وهم ليسوا خصومه السياسيين"، وقالت في البرنامج: "إن أعداء "أردوغان" هم صناع الدواء (كارتيل الصناعات الدوائية pharma ceutical lobby)، والبنوك الكبيرة، والصهاينة".

وتسهب "سيبل إدموندز" في توضيح الحملة الشرسة التي شنتها مافيا صناعة الأدوية والاستجوابات التي قدمت ضده في البرلمان التركي من قبل نواب أتراك، ومن قبل ربان الصناعة، ومن قبل الصحافة والإعلام التركي والأوروبي والأمريكي والعالمي، وتستغرب كيف تجاوز وتغلب "أردوغان" على كل هذه الحملات بالترهيب أو بالترغيب، وتعبر عن دهشتها بل عن صدمتها من ذلك، وتقول: "إنها لم تسمع ولم ترَ أحداً فعل ما فعله أردوغان"!

ثم تنتقل لخصم آخر؛ وهو القطاع المالي العالمي (البنوك)، حيث تتحدث حديثاً طويلاً عن البنوك الإسلامية، وعن تحريم الإسلام للفائدة تحريماً تاماً، وعن مشاركة المساهمين في الربح الحقيقي وتحملهم نصيبهم من الخسارة، ثم توضح أن البنوك في تركيا التي تخضع لسياسات "أردوغان" أغلبها غير إسلامي، وهي تدار على النسق الأوروبي والأمريكي، وتستغرب انصياعها لسياسات "أردوغان" المالية.

أما العدو الثالث لـ"أردوغان" في حديث "سيبل إدموندز" هو الصهيونية، وهي تستغرب كيف يقف "أردوغان" بصلابة منقطعة النظير أمام الكيان الصهيوني، ويظل سالماً من الأذى الذي لا تتورع الصهيونية عن إحداثه لكل من يتصدى لها!

وفي النهاية تعود "سيبل" للتعبير عن اندهاشها الشديد من تغلب "أردوغان" على كل العقبات التي وضعت في طريقه، وكبار الأعداء الذين أُضيروا من إنجازاته، مثل الصهاينة وأرباب المال، وأصحاب صناعات الأدوية، وتقول: "إن استمرت مسيرة إنجازات "أردوغان" على حالها؛ فلن يكون أمام أعدائه من خيار سوى اغتياله"!

نعم تعتقد "سيبل إدموندز"، وبحكم خبرتها واتصالها وعملها السابق، في أن اغتيال شخصية مثل «أردوغان»، رئيس جمهورية تركيا، ربما مهمة تحت الدراسة في مكان ما،

كما أن النسق العام الذي يدير سياسات العالم دولياً هو بالفعل ليست الحكومات الظاهرة، ولا المنظمة الدولية الأممية، ولكن على وجه الحقيقة بالتأكيد هناك قوى ذات طابع مالي واقتصادي، أهمها لوبي المصالح للشركات الكبرى في العالم في قطاعات النفط "لوبي الشركات السبع الكبرى"، ولوبي السجائر، وكارتيل الصناعات الدوائية، ولوبي السلاح، واللوبي الصهيوني، ولوبي مجموعة المحافظين الجدد، ولا يتورع أي لوبي في هذه القطاعات من استخدام شتى الوسائل غير المشروعة لبلوغ أهدافه.

وقد اتهم الرئيس "أردوغان" في 28 مايو الماضي بعد عودته من رحلته في شمال أفريقيا الإعلام الغربي وحلفاءه من البنوك الربوية والمؤسسات المالية بتركيا بالوقوف وراء تأجيج المظاهرات في تركيا، الذين يستهدفون استقرار البلاد ويهددون سوق الأوراق المالية والمضاربة ورفع أسعار الفائدة وهم يمتلكون ثلثي سوق الأموال المالية في تركيا، وقد نشرت إحدى الصحف التركية الموالية لحزب العدالة والتنمية أن هذا اللوبي «هو ائتلاف ممولين يهود وآخرين ينتمون لجماعتي "أبوسى داي" و"المتنورون" وهي جماعات ضغط دينية سياسية بدأت في أوروبا.

إن هذا اللوبي هو نفسه الذي دعم العسكر في إعدام رئيس الوزراء «عدنان مندريس» بعد انقلاب العسكريين عام 1960م بسبب مقاومته لمشاريع هذا اللوبي ومعارضته لمشروعه الكبير في جسر وسد نهر دجلة والفرات.

أين مكمن التحدي الحقيقي بما يشكل خطراً على مستقبل العلاقة بين "أردوغان" وتلك اللوبيات؟ هو أن "أردوغان" استطاع أن يرتقي بالاقتصاد التركي إلى اقتصاد يقترب من اقتصاد الدول العظمى، حيث باتت المؤسسات الاقتصادية الدولية الكبرى مقتنعة قناعة راسخة بجاهزية تركيا للتحول إلى قوة اقتصادية عظمى على المستوى العالمي، حيث تفوقت على بعض الدول الأوروبية، حيث وصل دخلها القومي 617 ملياراً متخطية دولة مثل بلجيكا.

وهذا شجع «أردوغان» لفك الاقتصاد التركي عن الاقتصاد الأوروبي والأمريكي "ذراع اللوبيات"، والتخلي عن الانضمام للاتحاد الأوروبي، ولم تعد بحاجة له ولا تحمُّل مشكلاته، وستمضي فقط كما صرح وزير شؤون الاتحاد الأوروبي «أنجمان باغيس» العام الماضي: إن تركيا تسعى فقط للاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة.

إن فوز "أردوغان" الأخير بالرئاسة سيجعله يمارس صلاحياته بصورة أكبر؛ مما يجذر بقاءه لعشر سنوات قادمة، وعلى نفس الوتيرة من النجاح الاقتصادي، وتعميق السلطة المدنية، وتعزيز قيم الدين بما لا يتيح مجالاً لأي منافس قادم يستطيع إدارة الاقتصاد التركي تحت جناح ورحمة الاقتصاد الأوروبي ولوبياته.

والورقة الأخيرة التي ربما يلعب عليها بعض من تسوّل له نفسه ربما الاتجاه للعبة الاغتيال الحقيرة، وهناك متضررون كثيرون من تلك النجاحات.

ألم تعتبر مثلاً "داعش" "د. مرسي" مرتداً، يجب قتاله؟ وكذلك "أردوغان"، ألا توجد أوضاع متوترة بين "أردوغان" وجماعات داخلية أسماها بالحكومة الموازية؟ من الذي يضبط إيقاع الحسد والحقد والثأر؟

هناك أدوات كثيرة لعمليات الاغتيال، لكن في كل الأحوال لا يظهر القاتل الحقيقي.

إن الرئيس "أردوغان" ثروة قومية للأتراك، ورمز للأمة العربية والإسلامية، وكما قالت: "سيبال أرصلان"، وهي أول عضو إنساني في حركة "أربكان"، رداً على توقعات صحيفة "دراديكال" عام 1989 بعد سجن "أردوغان": "إنه لن يكون مختاراً ولا حتى على حارة"، قالت: "سنحكم هذا البلد، ومن أخرج يوسف من الجب سيهبنا الحكم".

وهذه هي الحقيقة؛ فمن كتب لـ"أردوغان" الحكم سيكتب له الحياة الجديدة أو الشهادة.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مواضيع أخرى للكاتب

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس