علي حسين باكير – عربي 21

على إثر تدفق موجة صغيرة من اللاجئين السوريين إلى أوروبا خلال الأشهر القليلة الماضية، انتشرت حالة من الذعر في أوساط القارة العجوز التي لم تستطع العديد من دولها إخفاء قلقها وخوفها، البعض عبّر عن ذلك صراحة بشكل عنصري وطائفي، والبعض الآخر قرر مواجهة الأمر تكتيكيا بالاختباء خلف سلسلة من الدعايات التي تخبرنا بأنّ الدول الأوروبية تفتح ذراعيها واسعة لاستقبال اللاجئين!

لكن ما جرى في حقيقة الأمر أنّ الاتحاد الأوروبي هرول مسرعا إلى تركيا لبحث "المشكلة". والمقصود بالمشكلة هنا ليس قضية اللاجئين الأساسية وإنما قضية تدفق اللاجئين إلى أوروبا. فجأة اكتشف الاتحاد الأوروبي وعلى رأسه ألمانيا أنّ هناك دولة اسمها تركيا تقع على حدود الاتحاد، وأنّ تركيا دولة مهمّة وأن التعاون معها سيساعد على حل المشكلة!

ودون تردد، بدأت العروض السخيّة تعرض على أنقرة وجرت سلسلة من المفاوضات التي تبحث كيفية معالجة هذه "المشكلة الداهمة" بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي. وفي خضمّ هذه العمليّة تصرّفت الدول الأوروبية بشكل يوحي بأنّ الأزمة السورية اندلعت منذ أشهر فقط متناسية أنّ هناك أكثر من نصف الشعب السوري، أي أكثر من 11 مليون إنسان، أصبحوا يتوزعون بين نازح ولاجئ، وأنّ دول الجوار تعجّ باللاجئين السوريين وأنّ تركيا تستقبل حوالي 2 مليون منهم.

في نهاية المطاف، كانت المفاوضات تدور حول إمكانية تأمين ثلاثة مليارات يورو لتركيا للمساعدة على تغطية تكاليف دعم اللاجئين الذين يقيمون فيها، وتحرير تأشيرة دخول الأتراك إلى الاتحاد الأوروبي في العام 2016، وتسريع مفاوضات دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، في مقابل أن يتم التشديد على منع الهجرة غير الشرعية عبر الأراضي التركية، واستقبال الحالات التي لا يتم قبول لجوئها في الاتحاد الأوروبي.

المثير للاهتمام بل للاستغراب أنّ هذا الطرح يأتي من قبل ألمانيا التي تقود المفاوضات بهذا الشأن. ألمانيا التي كانت من أوائل الذين قوّضوا دوما جهود انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي تَعِدُ اليوم بتسريع المفاوضات المتعلقة بهذا الشأن. لماذا؟ لأنّ الأوروبيين أصبحوا يعلمون جيّدا أنّ الكلام سهل، وأنّ ما هو نظري لا يصح بالضرورة على ما هو عملي، وأنّ تجاهل اندلاع أزمة إنسانية على حدودهم منذ أكثر من أربع أعوام لا يمكن إلا أن يؤدي في النهاية إلى وصول تداعياتها إليهم عاجلا أم آجلا، وأنّ الادعاء بأنّها غير موجودة لا يساعد على الحل.

وبالرغم من هذا، فإن الأتراك لم يسارعوا إلى قبول ما تمّ عرضه عليهم، ما دفع البعض إلى اتهامهم بالمتاجرة باللاجئين، لكن الحقيقة هي أنّ عدم وجود انتهازية لدى الأتراك أدى إلى كشف وضاعة الطرح الأوروبي. فالأوروبيون يريدون أن تأخذ تركيا بعض المليارات وأن تتعامل هي مع فوضى اللاجئين وتبقى هي خارج الموضوع. بمعنى آخر، يريد الأوروبيون من تركيا أن تلعب دور حارس القارة الأوروبية وأن تلعب دور مقر الاحتجاز الإجباري للاجئين مقابل أجر، كي يبقوا هم بعيدا عن المشاكل. لقد كان من الأفضل والأوفر والأقل تكلفة مادية وإنسانية لو تدخلت هذه الدول لوضع حد لما يجري في سوريا بدلا من محاولة التعامل الفاشلة مع النتائج التي تخلفها الكارثة السورية. للأسف، لم يتعلم العالم الدروس من التجارب السابقة وها هو يكرر نفش المشهد اليوم.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس