خلود الخميس - صحيفة العرب القطرية

الإجابة الأكيدة سنعرفها بعد إعلان نتائج الانتخابات المبكرة والتي ستجرى في واحد وثمانين ولاية تركية يوم الأول من نوفمبر, ولكن اليوم هنا لنقف معاً على بعض المؤشرات والتوقعات التي من شأنها التأثير على النتائج. 

تركيا على موعد بعد يومين مع كلمة فصل يقولها الشعب للصندوق الانتخابي قراره إن كان سيجدد الثقة في حزب العدالة والتنمية الحاكم منذ اثني عشر عاماً ليشكل الحكومة التركية منفرداً, أم العودة إلى المربع الأسوأ والذي أدى إلى الانتخابات المبكرة هذه, وهو عدم حصول الحزب على النسبة والعدد في البرلمان ليتأهل لتشكيل الحكومة كاملة, فيصبح التشكيل ائتلافيا بين الأحزاب الفائزة بنسبة %10 وما يزيد.

والنتيجة هذه معضلة؛ لأن الحكومات التوافقية هي الأسوأ على احتمالات استقرارها, فالتباين القيمي، وفي الخطط والبرامج بين الأحزاب السياسية يجعل هذا النوع من التشكيل هشّا, يعصف به أول اختلاف في ترتيب الأولويات وفي النهاية فإن الاستقرار السياسي أهم أسباب التنمية والازدهار الاقتصادي, وهذا ما خبرته تركيا منذ تولي العدالة والتنمية زمام الحكم في تركيا.

لقد عاصرت التجربة التركية في حكم المحافظين عن قرب بأبعادها السياسية, والاقتصادية, والاجتماعية والدينية, وهناك بون كبير ولا أراه يضيق تدريجياً وإن تمنيتُ ذلك, بين طموحات وجهد حزب العدالة والتنمية الحاكم وبين المعارضين لسياساته وحتى مؤيديه لديهم خلافات مع بعض سياساته الخارجية وإن اتفقوا على منهجيته المحافظة.

تجربة الحكم للعدالة التنمية تقوم على حرب جهاد مستمرة ودائمة مع الفكر العلماني ولكنها بأدوات علمانية أيضا, كما يقولون: «مجبر أخاك لا بطل».

فالبعد السياسي يتحكم فيه الدستور؛ حيث إن مؤسسات الدولة كلها تأسست ضمن قوانينه وهي تخضع للعلمانية الشاملة, فالتعليم الديني (مدارس الأئمة والخطباء) أُوقف أو ضُيِّقت دائرته, ومنعت اللغة العربية تعليماً وتداولاً, وهي لغة القرآن لذلك كثير من الأتراك المتدينين يجهلون الأحكام الشرعية ويعتمدون على الحفظ فقط, وحتى رفع الأذان بالعربية مُنع واستبدل بالتركية, تكريساً للفكرة القومية حتى تتلاشى تدريجياً فكرة الأمة وتستبدل مع الوقت بالعنصرية.

إن عمق الجذر الأتاتوركي أو الكمالي, حسب ما يوصف به أنصار مؤسس الجمهورية التركية ومُلغي الخلافة العثمانية في المجتمع التركي يعود لتصنيف البعض له كبطل قومي لا كخارج على الدولة الدينية ومعاد للفكر الإسلامي, وهنا معضلة أخرى وهذا ما يجعل المحافظين في صراع شرس مستمر ينتصرون بمعارك ويخفقون بأخرى, وهكذا.

فلن يركن ويطمئن ويرتاح حزب العدالة والتنمية ويدير البلاد بلا شوك ينشب في حلقه ولو كان ناعماً ورفيعاً, يبقى مضرا وله قدرة لخنقه عن التنفس.

أما البعد الاقتصادي فقد تميزت به تجربة الحزب خلال الحكم, ويشهد به العدو قبل الصديق, على رأسه تصفير الدَّيْن الملياري الخارجي, مما أدى إلى استقلال تركيا في اتخاذ القرار السياسي من دون ضغط اللوبي الدولي تحت وطأة الديون وفوائدها.

كذلك محاربة الفائدة الربوية للبنوك وهي رغم قانونيتها إلا أن المعاناة التي يعيشها المواطن بسببها كانت مصدر قوة؛ لأن يرتفع صوت الحزب لرفضها والعمل جاهداً لإيجاد حلول لهذه الأزمة, وما زال العلمانيون يقفون مع الربا، والعدالة والتنمية يفتتح بنوكاً تعمل طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية لوقف مص دماء المواطن البسيط الذي يضطر للقروض الربوية لمعيشته.

أيضاً طفرة الدخول للأفضل ومميزات الأم العاملة عبر تعديل قوانين العمل الخاصة بها زاد فئة المؤيدات النساء, وكثير من التحولات الاقتصادية جعلت تركيا قبلة السياحة العربية وسحبت البساط من تحت أوروبا ما أجج حنق الأخيرة وأضحت تحاربها تحت الطاولة وبأقذر الوسائل, في قضية انضمامها للاتحاد الأوروبي, هذا الذي صوت ما يزيد عن %78 من الشعب التركي أخيراً على عدم الرغبة بالانضمام إليه.

وعلى مستوى البعد الاجتماعي فتجد الحزب نواباً وحكومة بين المواطنين في كل مناسبة يخاطبون الشعب كل في ولاياته, ومن موقع مسؤوليته ويهرعون لمواقع الأحداث والكوارث, يجتهدون للاندماج المجتمعي والقرب من حاجات المواطن بلا تفرقة نخبوية أو عرقية أو طائفية, وهذا لا يرضي الجميع.

تمسك حزب العدالة والتنمية في مشروع للحكم بالخطاب المحافظ واستخدام المصطلح الديني السبب الرئيسي في العداء الأزلي له من العلمانية التركية المتطرفة.
ضمن ما سبق هل يمكنك أيها القارئ توقع نتائج الانتخابات؟

عن الكاتب

خلود عبد الله الخميس

كاتبة وروائية كويتية مختصة في الإعلام السياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس