خلود عبدالله الخميس – العرب القطرية

ونجح مشروع تركيا، إقامة منطقة آمنة على الشريط الحدودي مع سوريا داخل الأراضي السورية وتكون بحماية الجيش الحر.

الجيش الحر هو الفصيل المسلح الذي يطلقون على إدارته السياسية تسمية «المعارضة المعتدلة». وكأنها تعطي إيحاءً بأنها مقابلة للمجاهدين في الفصائل والألوية الأخرى. ولكن هكذا المجتمع الدولي له لغة خاصة في الفهم والإدارة التركية تجيد تلك اللغة.

ودليل ذلك ما تم إعلانه الثلاثاء الماضي (يوم أمس الأول) بأن أميركا وافقت على «المنطقة الآمنة» التي اقترحتها تركيا. بعد أن كانت متحفظة على إنشاء بسبب تبعاتها اللوجستية والاقتصادية الضخمة. ويبدو أن سماح تركيا استخدام أميركا لقاعدة «أنجرليك» من أراضيها لاستهداف «داعش» كان أحد أوراقها في التفاوض في شأن المنطقة الآمنة.

وبالفعل، فقد كان أول استخدام للقاعدة المذكورة بطلعة جوية لطائرة من دون طيار في الشمال السوري يوم الأربعاء الخامس من أغسطس الجاري، وهو مقر مسلحي داعش في منطقة الرقة السورية، وبعدها بأسبوع وافقت أميركا على مشروع المنطقة الحدودية العازلة.

بالتأكيد ذلك كان متوقعاً للمراقب والمحلل المتابع لأسلوب تفكير الإدارة التركية في العقد الماضي، فرئيس الوزراء التركي من أكبر المفاوضين كفاءة، وأحد أعمقهم دراية في محتويات جيوب السياسة الدولية الخفية والتي من خلالها يتم تبييض المواقف القذرة قبل إعلانها للمجتمع الدولي نظيفة.

«اللوندري السياسي» مثل «لوندري الأموال» لأن السياسة أكثر عملة متسخة تتطلب تطهيراً مستمراً، بل كل تجمع سياسي يجب أن يفتتح «مصبغة» سرية في مقره لتبييض مواقفه التي ديدنها التغير طبقاً للمصالح. ولأني مجازة في العلوم السياسية فلا أختلف أو أنتقد أو أعترض على التغير في المواقف السياسية بل هي الأصل في العلاقات، ولكن أختلف مع المواقف السياسية التي تمس الأصول والمبادئ والقيم العامة التي يتبناها تجمع أو حزب أو حكومة ثم ينقلب عليها ويقدم من التنازلات ما يشوه مشروعه لصالح الآخر ولدخول أجندات مخفية، وهنا تبرز كفاءة السياسي الأخلاقي في اللعبة، أن يدير الطاولة جهة مصالحه ويقدم تسويات لا تمس خطوطه الحمر، ولدى الإدارة التركية نسبة مرتفعة من تلك الإمكانية.

تركيا أيضاً لديها تحديات كثيرة سابقة وحاضرة ولاحقة، داخلياً وخارجياً، ملف «مافي مرمرة» مع إسرائيل ما زال يوتر العلاقات الدبلوماسية بسبب التحيز الدولي لإسرائيل، الملف السياسي الداخلي وهو تحد طبيعي في دولة تعددية حزبية، ولكنه يقلق الإدارة بالطبع. ملف المصالحة أيضاً، وبرز ملف «داعش» رغم كل الاتهامات التي تعرضت لها تركيا بأنها داعمة للتنظيم بالخفاء، إلا أن التفجيرات التي طالت عمقها أظهرت براءة أو «مؤشرا لبراءة» تركيا من دم يوسف. الملفات كثيرة وهذا ما يميز إدارة تركيا ومشروع «الدولة الحديثة» الذي تتبناه. وهي تطمح لمقعد في مجلس الأمن يمثل العالم الإسلامي، فالساحة المصابة بغليان شامل خير برنامج تدريبي لاستحقاقها تمثيل الأمة.

وها هي ما زالت وأبداً، وسط الزوابع التي تحيط بحدودها مع كماشتي العراق وسوريا.

وعودة «للخط الآمن» فقد أعلنت تركيا بالتوازي مع إعلان الاتفاق التركي - الأميركي أنها ستستهدف هي والقوات الأميركية من يقترب من المنطقة الآمنة، وطولها 98 كيلومتراً وبعمق 45 متراً. وتعني «داعش» وحزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي) PYD اللذين يمثلان حالياً التحدي الأكبر أمام مشروع المصالحة الذي تتبناه الحكومة التركية بقيادة حزب العدالة والتنمية، والذي يعرقله عدم تمكنه من تحقيق رقم انتخابي يمكنه من تشكيل حكومة بمفرده.

انظر أيها القارئ «العربي» الفطِن للمشهد، وقل لي: هل يقدر العرب على الإدارة السياسية الناجعة مثل الترك؟ وألحِق بالإجابة السبب.

عن الكاتب

خلود عبد الله الخميس

كاتبة وروائية كويتية مختصة في الإعلام السياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس