محمود عثمان - خاص ترك برس

بالرغم من أن مجموعة العشرين G20 منظمة اقتصادية ومالية بالدرجة الأولى، إلا أن أجندتها تكون حافلة على الدوام ببنود تهم العالم بشكل مباشر، حيث تشكل منصة تجمع زعماء العالم، وتتيح الفرصة لمناقشة الأمور العاجلة، مما رشح المسألة السورية لتكون مادتها الأولى، بسبب حرص القيادة التركية على إحداث اختراق سياسي في مسار حلها المتعثر من جهة، وشدة حساسيتها وتأثيرها على السياسة الدولية من جهة أخرى.

وقد تأسست مجموعة العشرين عام 1999 بهدف تنسيق السياسة الاقتصادية العالمية، من أجل توسيع قاعدة المشاركة الدولية في رسم تلك السياسة، وبلورة الأفكار وإيجاد الحلول للمشاكل للتغلب على تلك المشاكل وتحول دون استمرارها.

يذكر أن مجموعة العشرين تصدرت المشهد الاقتصادي العالمي عقب نشوب الأزمة الاقتصادية العالمية بعد انهيار بنك الاستثمار الأميركي ليمان براذرز بوصفها أهم منتدى للتعامل مع قضايا الاقتصاد والمال على مستوى العالم، وإن كانت قراراتها ليست إلزامية ولا توجد ضمانات لتطبيقها.

وتضم مجموعة العشرين 19 من الدول الصناعية الكبرى والناشئة في العالم بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي، ويبلغ تعداد سكان هذه الدول مجتمعة ثلثي عدد سكان العالم، كما أنها تسيطر على 80% على الأقل من الناتج الاقتصادي العالمي وثلاثة أرباع حجم التجارة الدولية .

وقد سيطرت قضايا مكافحة الإرهاب وهجمات باريس الأخيرة واللاجئين على مباحثات زعماء العالم في اليوم الأول من قمة مجموعة العشرين في مدينة أنطاليا بتركيا، وذلك على وقع عمل انتحاري نفذه أحد عناصر تنظيم داعش ضد أفراد من الشرطة التركية في مدينة غازي عنتاب، جنوبي شرق البلاد. بينما كانت تحاول إلقاء القبض عليه، حيث كان متهما بإيصال انتحاريي تفجيرات أنقرة إلى مكان الحادث الذي أودى بحياة المئات من المواطنين الأتراك. وبينت التحقيقات أن تنظيم داعش كان ينوي افتعال تفجيرات مماثلة لتفجيرات باريس وبنفس توقيتها في مدن تركية كبيرة . لكن يقظة الأمن التركي حالت دون ذلك.

واضح في ظل الاستقطاب الدولي الحاد أن القوى التي دفعت بهذه التفجيرات بهذا التوقيت أرادت خلط الأوراق وقلب الطاولة، من أجل قطع الطريق على حدوث مناخ ايجابي يتم فيه مناقشة الأزمات الدولية، وفي مقدمتها القضية السورية بطريقة أكثر فاعلية وأقل توترا. فيما يبدو أن الدافع الرئيسي لذلك هو تضارب الأجندات على الساحة السورية، حتى بين الحلفاء روسيا وإيران، التي صرح وزير استخباراتها محمود علوي بأن تدخل روسيا العسكري في سورية أصبح يشكل تهديدا على الأمن القومي الإيراني، فما بالك بالفرقاء وأطراف النزاع المتحاربين. ويذهب بعض المحللين إلى أن أصابع الاتهام تشير باتجاه النظام السوري وحلفائه، حيث كان من المقرر أن يبحث الطرف الآخر الذي يمثل المعارضة والدول الداعمة لها مصير الأسد والمرحلة الانتقالية بعده، وإذ بها بعد التفجيرات تلتفت إلى بحث الإرهاب ومحاربته، الأمر الذي شكل على الدوام المادة الأولى في أجندة النظام وإيران.

اجتماع فيينا الدولي الذي بدأ يوم السبت أي قبل انعقاد مؤتمر أنطاليا بيوم واحد، بحضور الولايات المتحدة وروسيا ومشاركة خمسة عشر دولة أخرى معنية بالشأن السوري، سعيا لإيجاد حل سياسي للنزاع في سورية، جاء هو الآخر في ظل اعتداءات غير مسبوقة في باريس، وخلافات تتعلق بمصير بشار الأسد وطبيعة المرحلة الانتقالية، فعجز عن وضع إطار واضح المعالم لانتقال سياسي في سورية.

نجحت تركيا الصديق الوفي للشعب السوري، ومعها المملكة العربية السورية في وضع المسألة السورية مادة أولى في جدول أعمال مؤتمر أنطاليا الذي استضافته، لكن حدة الاستقطاب الدولي بين تعنت بوتين وتردد أوباما، لا زالت تكلف السوريين مزيدا من الدمار والخراب والمعاناة والدماء والدموع.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس