محمود عثمان - خاص ترك برس

"ثقوا بضمير الأمة ولا تخافوا" هكذا كان يقول لنا "الآغا بي" حكمت - الأخ الكبير بالتعبير التركي – عندما تختلط الأمور، وتشتد الأزمة، ويظهر الانقسام، وتسود الفرقة.. في الليلة التي سبقت الانتخابات وصلت رسالة من المركز الرئيسي لحزب العدالة والتنمية تقول بأن عادل جور Adil Gür مدير شركة AG للأبحاث واستطلاع الرأي الشهيرة يقول بأن النسبة المتوقعة للأصوات التي سيحصل عليها حزب العدالة والتنمية 47%. الجميع نظر إلى هذا التوقع بعين الدهشة والحذر، لأن 16 شركة أبحاث واستطلاع رأي لم تعط الحزب أكثر من 44%. يقول محدثي سألت صاحب تكسي أجرة قبيل الانتخابات كيف ترى الأمور؟. فقال له: رغم أنني من حزب الشعب الجمهوري إلا أنني سأصوت هذه المرة لصالح حزب العدالة والتنمية، لأن الركود الاقتصادي أثر على حياتنا اليومية!.

تشير لغة الإحصاء والأرقام إلى أن حزب العدالة والتنمية استطاع كسب أصوات المؤيدين على حساب جميع الأحزاب السياسية بما فيها حزب الشعب الجمهوري، حيث ارتفعت نسبة ناخبيه في جميع أنحاء تركيا. وإن كانت حصة الأسد منها على حساب حزب الحركة القومي الذي يعد الخاسر الأكبر في هذه الانتخابات.

مقارنة بين نتائج انتخابات 1 تشرين الثاني/ نوفمبر، ونتائج انتخابات 7 حزيران/ يونيو الماضي:

اسم الحزب

نتائج 7 حزيران

نتائج ت1/ نوفمبر

عدد النواب ت1/ نوفمبر

حزب العدالة والتنمية

40,9

49,34 315

حزب الشعب الجمهوري

25 25,42 134

حزب الحركة القومية

16,3 11,96 40

حزب الشعوب الديمقراطي

13,1 10,77 61

 

الأسباب الرئيسية التي جعلت حزب العدالة والتنمية يفوز بهذه الأغلبية الساحقة:

السبب الأول: الإيجابية والاستعداد الدائم لتحمل المسؤولية الوطنية:

أثبت حزب العدالة والتنمية أنه أم الولد التي تشفق عليه ولا تتركه للأيادي العابثة مهما كانت الظروف، ففي الوقت الذي تهربت فيه جميع الأحزاب السياسية من تحمل المسؤولية الوطنية عقب المشهد المتشظي الذي نتج عن انتخابات السابع من حزيران، فإن حزب العدالة والتنمية أبدى قدرا كبيرا من الإيجابية والنضج السياسي، فقد مد يده لجميع الأحزاب دون استثناء، ودخل في مباحثات جدية مع حزب الشعب الجمهوري بهدف تشكيل حكومة ائتلافية , لكن الأخير تعنت عند ملف الخارجية والتعليم، وأراد حرف السفينة بالاتجاه المعاكس، وخصوصا في المسألة السورية فآلت المباحثات إلى الفشل..

مقابل ذلك رفض رئيس حزب الحركة القومي  دولت بهجالي جميع العروض المقدمة له، فرد عرض حزب العدالة والتنمية في الشراكة من أجل تشكيل حكومة ائتلافية، ثم رفض عرض حزب الشعب الجمهوري له برئاسة الوزراء في حكومة ائتلافية معه، كما رفض دعم حكومة أقلية يشكلها حزب العدالة والتنمية مؤقتة إلى حين إجراء الانتخابات، ورفض كذلك المشاركة في حكومة الانتخابات، كما رفض إرسال أي وزير للمشاركة فيها؛ ممّا اضطر نائبه وابن الرئيس المؤسس للحزب، طغرل توركش لدخولها رغمًا عنه والانسلاخ من الحزب بشكل نهائي . هذا العناد وهذه السلبية المفرطة غير المبررة دفع ثمنها غاليًا، فقد كان أكبر الخاسرين في هذه الانتخابات، بانخفاض عدد نوابه في البرلمان إلى النصف، بينما عجز كبار قياداته ومنهم نواب الرئيس عن دخول البرلمان، فحلَ حزبه المرتبة الثانية بعد حزب العدالة والتنمية في محافظة "عثمانية" بلد رئيس الحزب دولت بهجلي، وهذا يعتبر عيبا في السياسة.

بينما بالكاد استطاع حزب الشعوب الديمقراطي النجاة بجلده وتخطي حاجز العتبة الانتخابية 10%، رغم الضغوط والابتزاز والترهيب بقوة السلاح التي مارسها ظهيره حزب العمال الكردستاني في مناطق جنوب شرق تركيا.

وتجدر الإشارة إلى أن حزب العدالة والتنمية بات في المرتبة الأولى من حيث تمثيل المواطنين الأكراد، بينما حل حزب الشعوب الديمقراطي الذي يدعى بالكردي في المرتبة الثانية. بل الرسالة الأهم في هذه الانتخابات كانت تلك التي وجهها الناخب لهذا الحزب، فقد حاز على نسبة أعلى 13,1% عندما أعلن وقف القتال وسادت أجواء السلم وتنفس المواطن نسائم الاستقرار، لكن تأييده انخفض عندما قلب الطاولة وقوض عملية المصالحة وبدأ مقاتلوه بالاغتيالات وشن الهجمات على قوى الأمن التركية التي ردت له الصاع صاعين، وأذاقته من الخسائر ما لم يتعود عليه من قبل.

السبب الثاني: امتلاك الكادر الكفء والرؤية والمشروع لإدارة الدولة والحكومة:

استطاع حزب العدالة والتنمية تقديم كوادر ذات كفاءة عالية، حققت نجاحات كبيرة على كافة الصعد والمستويات، وفي جميع الوزارات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية، فقدمت المشاريع واجترحت الحلول للمشاكل التي ظلت لسنوات طويلة عصية على الحل، في مجالات الاقتصاد والصناعة والصحة والخدمات، وفي مجال الحريات العامة وفي مساعي التحول إلى المجتمع المدني.

السبب الثالث: رصيد حزب العدالة والتنمية من الإنجازات:

بينما كانت بقية الأحزاب السياسية مشغولة بالهجوم على الرئيس رجب طيب أردوغان من جهة، وبذل الوعود التي اتسمت بقدر كبير من الخيال والبعد عن الواقعية، كان حزب العدالة والتنمية يتحدث بلغة الأرقام متسلحا برصيده من الإنجازات التي حققها على أرض الواقع، والتي يعيشها ويلامسها المواطن بشكل دائم في حياته اليومية.

السبب الرابع: حكمة الرئيس أردوغان ومهارته القيادية وصلابة موقفه:

أفرزت نتائج انتخابات السابع من حزيران الماضي مشهدا سياسيا معقدا للغاية، مما أفسح المجال لتدخل قوى داخلية وخارجية كثيرة، وأرادها كثيرون فرصة لتصفية الحسابات والأخذ بالثأر والانتقام من حزب العدالة والتنمية ومن شخص الرئيس أردوغان، فبلغت الضغوط على الأحزاب السياسية أقصى مداها، الأمر الذي أدى في نهاية المطاف إلى حالة استثنائية لم تشهدها تركيا من قبل. لكن الرئيس رجب طيب أردوغان الذي كان المستهدف الأول في تلك المرحلة، أبدى براعة قيادية وإرادة سياسية صلبة، فلم يخضع للابتزازات ولا للتهديدات بل وقف كالطود الشامخ كعادته، فعمل على سد الفراغ السياسي، وساهم بشكل رئيسي في وصول السفينة إلى بر الأمان، وحماية هيبة الدولة من الاهتزاز والضياع.

هذه الأسباب وغيرها حركت لدى الشعب التركي ردة فعل قوية، حركت غريزته باتجاه حماية وحدته وتماسكه، والدفاع عن هويته وإرثه وامتداده الحضاري.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس