أ. د. محمد مرعي مرعي - خاص ترك برس

لم يعد يخفى على أي متبصر في واقع روسيا بوتين وأزماتها المتسلسلة أن ذلك البلد تحوّل من دولة عظمى في فترة الاتحاد السوفييتي البائد إلى بلد يعيش على مبيعات النفط والغاز للدول المتقدمة وبعض الأسلحة المتقادمة تكنولوجيا للدول المتخلفة والحليفة بقصد إبقاء حكامها اتباعا لروسيا تحميهم من ثورات شعوبهم ضدهم جراء إجرامهم وفسادهم بحق أوطانهم.

لقد عاش بوتين ظاهرة تفكّك الاتحاد السوفييتي في شبابه، وهروبه المهين شخصيا من ألمانيا الشرقية إلى روسيا بعد تحطيم جدار برلين، وبدء حياته من جديد مساعدا لرئيس جامعة بطرسبورغ للشؤون الأمنية حيث حصل خلالها على دكتوراه في القانون الدولي كشأن متنفذي الدول المتخلفة وجمهوريات الموز في حيازة شهادات الدكتوراه من روسيا وملحقاتها عبر دفع مئات الدولارات للإدارات الجامعية.

ثم وجد بوتين فرصته في تسلّق الحكم عبر الأجهزة الأمنية في بلاده بداية في بطرسبرغ ثم في ديوان يلستين إلى أن وصل إلى رئاسة روسيا بإزاحة كل منافس أو صاحب كفاءة وإحاطة نفسه بالمصفقين له.

هنا، يعرف كل من درس علوم النفس والاجتماع أن عقدة الكفاءة والتمّيز والنجاح الفعلي تمثّل هاجس كل ضابط مخابرات في الدول المتخلفة والدكتاتورية لأنه لم يحصل على موقعه وسلطاته بقدراته الشخصية بل بحكم منصبه بالأجهزة الأمنية التي يتبع لها، وهذا يدفع كل من تتيح له الفرصة من ضباط المخابرات إلى التهور في السلوك والأفعال والقيام بالمغامرات التي سيترقّى بموجبها لاحقا كما نلمس في الدول التي أنظمة حكمها تسلطي وفاسد إذ يتم ترقية ضباط الأمن المجرمين والفاسدين بسرعة كبيرة كون أنماط شخصياتهم تلقى قبول أسيادهم جراء أفعال القتل والجريمة التي يرتكبونها ضد من يعاديهم من مواطنيهم.

لقد ظن بوتين روسيا أنه سيبني دولة تضاهي الدول المتقدمة الغربية أو اليابان أو الدول الناشئة سريعة النمو لكونه يمتلك السلطات المطلقة في بلده، لكنه لم يستطع التخلي عن عقلية ضابط الأمن بمحاكماته وأفعاله بل وبقراراته المرتجلة العصبية التي لا تليق بمدير دائرة في إدارة حكومية في الدول النامية، وشرع في اتخاذ قرارات الندية الاقتصادية مع القوى العظمى التي فرضت عليه واقع الدولة المستهلكة فقط التي لا يسمح لها بإنتاج أي شيء له قيمة تنافسية عالمية فأغلق بوتين كافة مصانع انتاج المعدات والآلات في بلده (باستثناء مصانع الكذب الإعلامية)، وتراجعت الزراعة علما أن روسيا تضم أراضي صالحة للزراعة أكثر من قارة أوربا كلّها، وانعدمت أدوار روسيا في التجارة العالمية باستثناء تصدير الثروات الباطنية وخردة الأسلحة وأحيانا القمح إذا سمحت الاحوال المناخية للإنتاج الزراعي الروسي.

نتيجة ذلك، أدرك بوتين فشله الهائل وانطق في مغامراته العسكرية لاحتلال أراضي من الدول المجاورة لروسيا تبعا لمزاعم إمبراطورية أساطيرية ودينية خرافية كي يجد مخرجا لفشله في بلده وتهيئة شعبه للوقوف خلفه بعد أن فرض عليه الجهل والتخلف (يفيد ذكر أن جامعة واحدة في روسيا من بين 500 جامعة الأولى في العالم مثل بلغاريا واليونان ورومانيا ومصر وإيران وأشباه تلك الدول في حين هناك 7 جامعات بلجيكية و8 إسرائيلية و10 هولندية، 166 أمريكية إلخ).

كان رد الدول الغربية والمتحضرة فوريا على مغامرات بوتين روسيا وأعلنت حصارا ومقاطعة اقتصادية على بلده، لكن كعادة حكام الدول المأزومة، بدأ بوتين بهجوم عسكري على جمهورية الشيشان كي يحقق نصرا على شعب لا يزيد عن 1 مليون نسمة وتحيط به روسيا من كل الجوانب، ثم اطلق جيوشه بحروب على أبخازيا، وجورجيا، وثم أوكرانيا، وحاليا على الشعب السوري الثائر ضد تابعه بشار الأسد، وحاليا يعربد كالسياسي المهووس ضد تركيا بعد تعدي جيوشه على حدودها.

إنه تاريخ يتكرّر مع الحكام المتسلطين في الدول المأزومة الذين قادوا بلادهم وشعوبهم إلى حافة الفقر والجهل والغيبوبة عن الوعي (مثل نابليون بونابرت، وهتلر، والخميني، وحافظ الأسد، والقذافي، وهيلامريام اثيوبيا، ونيورييغا نيكاراغوا، وكاسترو، وشافيز فنزويلا، وحكام بورما، وهلم...).

وإنها هواجس الزعامة الزائفة التي يسعى إليها شخص لا يمتلك متطلباتها فيتصرف كـ(ولد أزعر) وسط مجموعة من شخصيات العقلاء، إن واجهوه يخسرون سمعتهم وإن تركوه سيخسرون قيمتهم، وكم من هواجس زعامة وهمية قضت على حكام لا يستحقون الحكم، بل وعلى بلادهم التي دفعوها إلى الخراب.

عن الكاتب

أ. د. محمد مرعي مرعي

جامعة غازي عنتاب، كلية الاتصالات، قسم العلاقات العامة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس