ترك برس

أسس أول مرصد للزلازل، في تاريخ الدولة العثمانية، في عهد السلطان العثماني "مراد الثالث" من قبل الفلكي "تقي الدين راصد". وُلد الفلكي تقي الدين راصد في مدينة دمشق عام 1526، وتلقى علومه الدينية والفلكية في الشام ومصر، وعمل فيهما قاضيًا ومدرسًا، وفي عام 1570 انتقل إلى إسطنبول. قبل قدوم تقي الدين إلى إسطنبول كان مشهورًا بمعرفته بعلم الفلك، وبعد انتقاله لإسطنبول بعام، توفي كبير علماء الفلك العثمانيين مصطفى علي، فتولى تقي الدين مقامه.

استطاع تقي الدين الوصول إلى السلطان العثماني مراد الثالث من خلال صداقته الوثيقة مع شيخ الإسلام سعد الدين أفندي وبعض رجال الدولة المهمين وعلى رأسهم الصدر الأعظم سوقولو محمد باشا. استفاد تقي الدين من قربه للسلطان مراد الثالث، الذي كان مهتمًا بعلم الفلك، واقترح عليه بناء مرصد للزلازل لعدم نجاعة التنبؤات الحسابية في رصد الزلازل وتغيرات التضاريس بشكل دقيق.

وافق السلطان مراد الثالث على الفور واستعد لتقديم مساعدة مالية ضخمة لإتمام هذا المشروع، وكان الدافع الرئيسي لإبداء السلطان استعدادًا وحماسة لتمويل المشروع ودعمه هو طموحه لإيجاد عنصر جديد لم يكن موجودًا لدى من سبقه من سلالته الحاكمة.

بدأ تقي الدين أعمال الإنشاء والبناء من برج غالاطا، وفي عام 1577 استطاع إتمام مشروع بناء المرصد وتمت تسميته باسم "دار الرصد الجديد"، كان المراصد يتكون من بنائين أحدهما كبير والآخر صغير، وتعمد تقي الدين إيصال أطراف المرصد إلى الساحل، ساحل طوب هانة الواقع على مشارف بحر مرمرة، من أجل متابعة قوة الأمواج ومدى مدها وجزرها والتحركات الأرضية تحت مياه البحار، حيث يمكن قياس حركتها بشكل أسهل وأسرع من أرضية اليابسة.

أسس تقي الدين مرصده بدقة عالية، واخترع آلات جديدة تُستخدم في رصد الزلازل والهزات الأرضية. عمل في المرصد 8 أشخاص كراصدين فلكيين، وأربعة مُوثقين ومُتابعين للنتائج، وأربعة مساعدين لأعمال الراصدين والموثقين، وكان على رأسهم السيد تقي الدين الذي كان يعمل مهندسًا للمرصد وكبيرًا لعلماء الفلك في الدولة العثمانية.

لم يُستعمل المرصد من أجل رصد الزلازل فقط، بل استعمل أيضًا في رصد تحركات الشمس والقمر ومتابعة النجوم، وفي أيلول/ سبتمبر من عام 1578  تمت متابعة قدوم الهلال المُبشر برمضان من خلال المرصد لأول مرة في تاريخ الدولة العثمانية، كما استطاع الفلكي تقي الدين من خلال استعمال المرصد في رصد حركة الشمس والقمر بدقة اختراعَ الساعة الميكانيكية، وبهذا تُعد الدولة العثمانية أول دولة تخترع الساعة الميكانيكية في العالم.

واستطاع تقي الدين من خلال مرصده إيجاد الفرق الزمني بين كل خط طول وعرض، إذ بين تقي الدين أن الفرق الزمني بينهم 1 دقيقة و 40 ثانية، وتعد هذه النتيجة من أقرب النتائج التي توصل إليها علماء الفلك عبر التاريخ، وما زال العلماء إلى اليوم يأخذون بها في حساباتهم المتعلقة بالفروق الزمنية بين خطوط الطول والعرض.

توصل تقي الدين من خلال مرصده إلى العديد من الاكتشافات الفلكية التي نالت التقدير من علماء الفلك في عصرنا الحالي، وجمع تقي الدين كل النتائج التي توصل إليها من خلال أبحاثه التي استعمل بها المرصد، في كتابه "سدرة المنتهى". وعلى الرغم من النتائج الموفقة التي توصل إليها تقي الدين، إلا أن علماء المسلمين اعترضوا على أبحاثه واتهموه بالشرك وبمحاولة علم الغيب، وبعد الضغوطات الشديدة التي تعرض لها السلطان مراد الثالث، أمر في 22 كانون الثاني/ يناير 1580 بإيقاف أعمال المرصد بشكل نهائي، وتم تدمير المرصد كليًا من قبل صدر الأعظم كيليج علي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!