ترك برس

"منذ فجر التاريخ تركيا وإيران القوتان السياسيتان الأساسيتان في المنطقة ونظامها وسياستها".

تعد بلاد وسط آسيا مسقط رأس القبائل التركية التي عاشت بها منذ القدم على هيئة قبائل بدوية دائمة الترحال، وبعد سيطرة المغول على مساحات واسعة من مناطق وسط آسيا، ضاق الخناق على تنقل القبائل التركية، لذلك لجأت في أوائل القرن العاشر إلى الأناضول بحثًا عن المأوى والغذاء.

بعد قدوم الأتراك إلى الأناضول، أسسوا أول دولة تركية مسلمة ألا وهي "الدولة السلجوقية" عام 985، بقيادة القائد "سلجوق بيك" وتمددت رقعة الدولة السلجوقية حتى تخطت منطقة الأناضول ووصلت بعض البقاع في بلاد الشام ومصر ووسط آسيا، شارك السلاجقة العرب والكرد والأذر في الحكم واستمر حكمهم القوي إلى عام 1092، إذ توفى الحاكم القوي "ملك شاه" في ذلك العام، ومن بعده بدأ النزاع على العرش بين أبنائه ومن جاؤوا من بعده، واضمحلت الدولة السلجوقية بشكل كامل عام 1157.

تتعدد الأسباب وراء سقوط الدولة السلجوقية، ولكن يرى المؤرخون أن النزاع على العرش وعصيان قبائل الأوغوز التركية وبدء الحملات الصليبية ومحاولة الخلافة العباسية للتخلص من حكم السلاجقة، الأسباب الرئيسة التي تقف وراء انهيار الدولة السلجوقية.

ويُشير الباحث في التاريخ السياسي "ودات بيلغين" في مقاله بصحيفة "أقشام"، إلى أن "السلاجقة شكلوا صرحًا منيعًا للدولة الإسلامية العباسية، وعملوا جاهدين للذود عن حياضها أمام الأعداء المتربصين في أكثر من واقعة، ولكن كان هناك نزاع واضح بينهم وبين الفرس الذين كانوا لهم سيطرة ملحوظة على قصر الخلافة العباسي".

ويتابع بيلغين مبينًا أن "خلال هذا النزاع استطاع الفرس السيطرة على القصر تارة واستطاع السلاجقة الأتراك السيطرة تارة أخرى، وكان القصر العباسي يستخدم الطرفين لصد بعضهم البعض عن السيطرة الكاملة على القصر، ويُعد هذا النزاع أول نزاع سياسي بين العنصرين السياسيين الأساسيين في المنطقة تركيا وإيران".

وحسب ما تنقله الوثائق التاريخية، فإن النزاع السياسي بين الطرفين استمر بعد تأسيس الدولة العثمانية عام 1299، ولكن بعد تأسيس الدولة العثمانية، أخذ النزاع السياسي بين الطرفين مُنحنى آخر، إذ استمر الفرس في السيطرة على قصر السلطان العباسي بشكل غير مباشر، على الرغم من انتقاله إلى أحضان الدولة المملوكية في القاهرة، عقب سيطرة المغول على بغداد عام 1261.

وكانت السمة الأساسية للمنحنى الجديد للنزاع التركي الفارسي تأسيس الدولة الصفوية من قبل "التركماني" إسماعيل شاه عام 1501 في إيران، على الرغم من كون إسماعيل شاه تركمان، بمعنى تعود أصوله إلى القبائل "التركية" إلى أنه أسس دولة صفوية مختلفة المنهج والدين عن الدولة العثمانية السنية وأصبحت أكبر فئة تابعة لكيانه ودولته "الفرس"، لذا يُقيم المؤرخون النزاع السياسي بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية في ذلك العهد، على أنه نزاع "تركي ـ فارسي".

كان الهدف الأساسي لكلا الدولتين هو توسيع رقعة النفوذ والسيطرة السياسية والاقتصادية والثقافية والدينية بأكبر قدر ممكن، لذا طفا على السطح بين الطرفين، في ذلك العهد، النزاع الجيوسياسي والجيوثقافي، إذ أصبحت الدولة العثمانية تُمثل القطب السني وأصبحت الدولة الصفوية تُمثل القطب الشيعي.

استمر هذا النزاع بين القطبين السني والشيعي، كعنصرين سياسيين أساسيين في المنطقة، إلى عام 1736، حيث انهارت الدولة الصفوية. توقف النزاع السياسي بين الطرفين لفترة وجيزة، ولكن عاد من جديد عام 1794، إذ تأسست المملكة "القجاريه" "الجعفرية" التي أدامت النزاع السياسي مع الدولة العثمانية إلى عام 1925، حيث انقلب رضا شاه على الدولة القجاريه وأسس المملكة البهلوانية التي استمرت في حكم إيران إلى عام 1979.

عام 1979 كان العام الذي أرجع النزاع السياسي بين تركيا وإيران، وأصبحا من جديد تحت ظل نزاع سياسي فعال في المنطقة، واليوم تشهد المنطقة أكبر نزاع سياسي بين الطرفين.

يعتبر الباحث السياسي "محمد شاهين" تركيا اليوم اللاعب الأساسي أمام إيران في النزاع القائم في المنطقة، لا سيما في ظل الدور التاريخي الذي لعبته الدولة السلجوقة والدولة العثمانية "أسلاف الجمهورية التركية" في إحداث توازن قوى في المنطقة ضد إيران في سبيل صدها عن التمدد الجيو سياسي الذي لطالما سعت لتوسيع رقعته الجغرافية.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!