يوسف ضياء جومرت – صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس

أسامة بن منقذ من الشخصيات التاريخية المفضلة لدي. كان أميرًا حسن التربية. عاش في القرن 12 الميلادي. وعمل في خدمة السلطان صلاح الدين الأيوبي. كما يعد من المفكرين وفقًا لمعايير هذا الزمن.

ولم يكن مفكرًا وحسب، بل كان أيضًا فارسًا شجاعًا، وسياسيًا ومستشارًا عظيمًا.

من أين عرفت؟

لأنني ترجمت كتاب أسامة بن منقذ "الاعتبار" إلى التركية. كان أسامة سوريًا، من مدينة شيزر الواقعة إلى الجنوب قليلًا من إقليم هاتاي. شهد عصر احتلال الصليبيين لفلسطين وغربي سوريا بالكامل بما فيها مدينة القدس. وإن كان الكتاب ليس في متناول يدي الآن. ولكنني أذكر إحدى الفقرات التي تشرح استعدادات القادة الصليبيين لمهاجمة دمشق وتقاسمهم سوريا فيما بينهم حتى قبل احتلالها. ولكنهم لم ينجحوا في ذلك. بسبب انتصار طغتكين أتابك دمشق. وحتى تاريخ وفاته بقليل كان للحشاشين دور مؤثر في إدارة المدينة. وأنتم أيضًا ألا يذكركم تمكن الحشاشين من حكم سوريا في عهد طغتكين بحادثة شهدناها في السنوات الأخيرة؟ إن لاحظتم وجود هذا "التطابق".

يقال أن الحشاشين كانوا سيسلمون دمشق إلى ملك القدس بودوان الثاني، ولكن ولأن طغتكين كان لا يزال على قيد الحياة لم يتمكنوا من تحقيق ذلك.

أما الآن فإن أحقادنا الداخلية أظهرت مشاكل مشابهة لا نقص فيها.

يبدو أن "الأجانب" الذين لم ينجحوا في القرن 12 الميلادي تمكنوا اليوم من بلوغ غاياتهم في سوريا. ذلك أن روسيا موجودة الآن في الداخل ضمن سلطة الحشاشين، وكذلك أمريكا إلى حد ما. أما داعش فهي بجميع الأحوال تخدم الجميع باستثناء المسلمين. في حين أن حزب الاتحاد الديمقراطي يتعاون مع الجميع مهما توافر من عناصر أجنبية.

أي أن الكل في داخل سوريا، بينما أصبح السوريون خارجها. كما تحولوا في القرن 21 إلى مشردين مثل الفلسطينين. يصارعون الحرمان والاضطهاد ويكافحون من أجل البقاء في مخيمات بالأردن ولبنان وتركيا بدرجة أكبر. ويبذلون قصارى جهدهم من أجل الصمود في إسطنبول وغازي عنتاب وبقية مدن الأناضول. أو تحولوا إلى أجساد تصل إلى شواطئ بحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط. أي لا يوجد أي شيء يمكن أن يجعلنا نتفاءل. أي أننا قبل ألف عام كنا سيئين وقبل خمس سنوات أيضًا كنا سيئين أيضا.

ماذا فعلنا في سوريا؟

منذ البداية أصابنا "قلق متأخر".

بعد أن سبقنا الفرنسيون بالوصول إلى ليبيا، رفعوا الأعلام الفرنسية في بنغازي وأقاموا حكومة الوفاق الوطني. وبجميع الأحوال ألم نقل بإن الشيء نفسه سيحدث في سوريا، وينبغي أن لا نتأخر. لذلك تفاعلنا استراتيجيًا وسياسيًا بشكل مبكر مع الأمر. حتى أن تفاعلنا هذا كان مبالغًا فيه. وأثناء قيامنا بذلك منحنا تقديرًا أكبر للولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا في حين أهملنا كلًا من روسيا وإيران.

ما معنى هذا؟

لم نحسب أي حساب لاستحواذ إيران بهذا القدر على سوريا، ولم نفكر بأن الاهتمام الروسي الكبير بالأمر سيصل إلى حد احتلالها لسوريا. كما لم نتخيل أن كلًا من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا لن يكترث بالأمر، وأنه سيأتي يوم يتخذان فيه موقفًا إلى جانب الأسد.

يمكن بسهولة قول هؤلاء جميعًا اليوم، سواء أكان ذلك صحيحًا أم لا، فكل شيء أصبح واضحًا للرأي العام. كان ينبغي أن يفهم هذا الكلام في ذلك الحين، ولكن "نخبتنا المثقفة" أنذاك وقعت في الخطأ.

حيث فسروا الموقف التركي من الموضوع السوري على أنه سعي لتنفيذ المهمة التي أخذتها من الغرب. والحقيقة أن كلًا من أمريكا وأوروبا لم يفرضا علينا أي مهمة. بل على العكس من ذلك، نحن الذين حاولنا إقناعهم بهذه المهمة.

"لماذا أنتم صامتون، بينما تقتل الإنسانية في سوريا؟ لماذا لا تفعلون شيئاً ما؟ ألستم متحضرون؟ أليس لديكم ضمير؟" كان توجيه مثل هذه الأسئلة عبارة عن محاولة منا لإثارة ضجة حول الموضوع.

أما الجدال الدائر حالياً فهو حول التدخل في سوريا أم لا.

ومن المعروف أن تدخل تركيا في سوريا مرتبط حتى اليوم بمبادئ الشرعية الدولية. وإن صدور قرار على مستوى دولي بالتدخل يعني أن هذه المهمة ستوكل إلى تركيا. كان هذا النهج صحيحاً في السابق، ولكنه لا يتناسب مع الجدول المتعلق بالأيام التي بدأت فيها علامات ما يسمى بالربيع العربي بالظهور في سوريا.

بناءً على ذلك فإن التدخل في سوريا في ذلك الحين مقارنة بالتدخل الآن كان "أقل خطاً". لأنه لم يكن يعني بالضرورة الدخول في حرب مع روسيا. أما اليوم فهو يعني ذلك.

في البداية لم تتدخل تركيا في سوريا. ولكن النتيجة التي توصلنا إليها حاليًا هي أن سوريا هي التي دخلت إلى تركيا، ليس عن طريق جنودها وعتادها وأسلحتها بل دخلت عن طريق المواضيع السياسية، والاجتماعية، والعسكرية، والاقتصادية.

بهذه الحالة، ما المتفرض القيام به؟

تنقل تركيا حمل السياسة الخارجية الذي تحمله فوق طاقتها. لأن هناك حمولة زائدة.

وبرأيي ينبغي علينا إما زيادة سعتنا هذه أو التخفيف من هذا الثقل.

إن أمكننا القيام بواحدة منهما.

عن الكاتب

يوسف ضياء جومرت

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس