د. سماح هدايا - خاص ترك برس

العالم يحتفل بعيد المرأة، وما زالت مشاكل المرأة قائمة غالبًا في كثير من دول العالم، وتتفاقم وتتسع في دول النزاعات والحروب، التي تتحمل جزءًا من مسؤولية نزاعاتها دول كبرى ذات نفوذ عالمي. سوريا مغتصبة ومضطهدة ومنكوبة. ونساء سوريات في مواجهة العدوان والدمار والعنف والاضطهاد وسلب الحقوق.

صحيح أن الثورة السورية أتاحت للمرأة كسر الأدوار التقليدية، والخروج ضد قوى الاستبداد القهر وراء مطالب التحرر؛  لكنّ هذه الفرصة الذهبية للتحرّر، لم تحظى بالدعم الحقيقي المجدي من القوى الحقوقية الدولية، بل حصل العكس، استمرار طغيان نظام الأسد الاستبدادي، الذي مارس أشد أشكال العنف وارتكب جرائم ضد الإنسانيّة، وأتاح المجال لتطور حالة الإرهاب التي تؤذي بشدة الطفل والشيخ والعاجز والمرأة بالإضافة للرجل.

وصحيح أن منظمات دولية إنسانية وحقوقية وتمكينية، نهضت وشاركت  لتساعد المرأة في سوريا في مكافحة العنف الجنسي والجنوسي والحقوقي، ولكن ذلك حصل ضمن رؤيتها وأهدافها ورسائلها الخيرية أو السياسية؛ وليس ضمن رؤية أصيلة لمشاكلنا، ولم تضع يدها على الجرح الحقيقي لتعالجه، وعملت سطحيا وجزئيا، ونفّذت إجراءات نفسية واجتماعية وسياسية مهمة؛ لكنّها ظلت هامشية، تتعامل مع العوارض، لا الأسباب الجوهرية والعلل المتمثلة في منظومة القهر والاستبداد السياسي التي تقمع المرأة.

فأين الحلول والنتائج من عمل هذه المنظمات الدولية في تحقيق رفع الاعتداء والعنف عن المرأة، وعبر خمس سنوات تتدفق أعداد كبيرة من نساء سوريا وأطفالها لاجئة نازحة  بلا مأوى آمن، عرضة للاستغلال والاسترقاق الجنسي؟ ألم تفقد شعارات مكافحة العنف ضد المرأة  كثيرا من مصداقيتها باستمرار بقاء آلاف النساء معتقلات ومغيبات في سجون الأسد وفروع الأمن والتشبيح  في ظروف مخيفة لانتهاك وحشي نفسي وجسدي، وفي غياب لأدنى الحقوق؟ وماذا عن قضية الرعاية النفسية والصحية  للاجئات في عشرات المخيمات داخل سوريا وخارجها؟ وماذا عن الاسترقاق الجنسي واستغلال النساء والأطفال  مع اتساع  الحاجة والجهل؟. وماذا بشأن أمن النساء والأطفال اللاجئين الذين يضطرون لخوض أهوال البحار ومخاطر الغرق هربا من إرهاب النظام وحربه؟. كل هذه الظواهر المأساوية سببها نظام يحارب شعبه.

الدفاع عن حقوق المرأة ونيل حريتها وكرامتها، يبدأ بإسقاط نظام الطاغية والطغيان الذي يؤسس لمنظومة الاستبداد والقهر، ويؤدي إلى ما حصل في سوريا من أهوال. صحيح أن المشكلة السورية حلولها عالمية، لكن حلولها  الجوهرية بيد السوريين، أولا؛  لذلك على المرأة الاعتماد على ذاتها وعلى قوتها كحراك نسائي وطني ناهض،  ينبغي أن يعي التحديات؛ مثل:

- الاستمرارفي الثورة ومقاومة العدوان والاستبداد بكل أشكال المقاومة المشروعة.

- كسر القالب الجامد  للتفكير المتمثل في النظر لقضايا المرأة من الخارج، شكليا، وبمضمون سطحي، وبإجراءات مجزوءة مقطوعة عن سياقها الإنساني والمجتمعي، بشعارات جاهزة لا ديمومة لها، ولا تحمل حلولا جذرية لمشاكل المرأة. وإعادة النظر للمرأة، كإنسان كامل متكامل، له حقوقه وعليه واجبات؛ لديه طاقة عاطفية وذهنية عالية يمكن اسثمارها بإيجابية فاعلة. المرأة لها تجارب وأحاسيس وطموحات وضمير وعقل، ويثمر عملها، واقعيا، عندما يلتصق بسياق مجتمع ووطن وباستحقاقات إنسانية.

- عدم الانجرار للتبسيط الساذج لقضايا المرأة وللتصورات الذهنية النمطية والجاهزة؛ مثل الصور النمطية للحجاب، بين ظلامية ارتدائه وتحررية خلعه، وما يرافق ذلك من خطاب غير منطقي بين أصولية دينية متشددة، وأصولية استشراقية متشددة.. فأساس الحركة النسائية التحررية ليس التدين أوعدمه وإنما حقوق الإنسان والمرأة.

- إنتاج المرأة يحتاجه المجتمع وتحتاجه المرأة؛ ومثلما التربية داخل البيت في غاية الأهمية؛ فإن إنناج المرأة الاجتماعي والمجتمعي والفكري والاقتصادي والسياسي في غاية الأهمية. وهذا لا يتحقق إلا بالنضال الفردي والجماعي والاجتماعي والمجتمعي، وتتكلل الجهود النسوية التحررية  بالنجاح عندما يكون العمل جديا ومنهجيا وجماعيا، مرتبطا بالاستحقاقات التاريخية. الجهود التحررية مطلوبة من المجتمع كله؛ لكن الجهود التي ستبذلها المرأة أعلى؛  لأن التحديات أمامها أشد بسبب معركة اجتماعية عامة ضد الجهل والقهر ومعركة خاصة لنيل حقوقها كامرأة.

- التحدي الأكبر أن تثق المرأة بدورها الإنساني وبدورها القيادي وقدراتها، مهما قيل من أن المرأة أنقص وأقل عقلا ورشادا؛ فما يجعل المرأة أنقص هو رأيها بأن الرجل أرفع شأنا وهي أقل منزلة. وعليها أن تقاوم التحيّز ضدها في العمل وفي التعلم وفي الإدارة والسياسة  والتشريع. والعمل ضد هذا التحيز شأن عالمي لأن ظاهرة التحيز لا تقتصر على بلادنا. لكنْ،  في بلادنا ما زالت النسوة، في الأغلب، غير فاعلات في التغلّب علىه وعلى وذهنية الاستئثار الذكوري، نتيجة الصراعات السياسية التحررية التي يخوضها المجتمع والصراعات الثقافية والاجتماعية.

والرهان هنا على قدرة المرأة التنظيمية والنفسية والفكرية وعلى عملية التنمية والتمكين للخروج بتغيير حقيقي مستفيدة من واقع الثورة.

- الاستحقاق التاريخي الذي تواجهه المرأة السورية أن تكون حاضرة في الشأن السياسي وفاعلة فيه. هذا يتطلب آليات عمل مكثّف لنضال مستمر في سياق تمكين سياسي، كيلا يبقى تمثيل المرأة ضعيفا وحتى لا تبقى تجربة مشاركتها في البرلمانات والمؤسسات التشريعية والتنفيذية هزيلة وشكلية، وذلك ينطبق على الشؤون غير السياسية، بسعي المرأة لتحقيق كفاءة  كبيرة من أجل تقلّد المناصب العليا المؤّثرة في الإدارات المختلفة للمؤسسات التعليمية والبحثية والاقتصادية وغير ذلك.

- النضال الفكري والقانوني لتعديل الحقوق المتساوية في الدستور، وتعديل القوانين بما يضمن حقوق المرأة. صحيح أن العالم قطع أشواطا في موضوع حقوق المرأة وأننا ما زلنا نسير ببطء، لكن خوض هذه العملية الطويلة لتحقيق إنجازومكتسب حقيقي، لا ينفصل عن مكافحة اجتماعية لجور العادات والتقاليد البالية الجائرة التي يجري شرعنتها بالمقدس الديني وهي غير في سياق آخر مرتبط بالجهل والاستبداد.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس