محمود عثمان- خاص ترك برس

تفجير انتحاري آخر يستهدف قلب العاصمة التركية أنقرة , يحصد حياة 34 مواطنا تركيا، كانوا في طريق عودتهم إلى منازلهم بعد قضاء يوم عطلة ربيعي جميل، إضافة إلى 125 جريح 19 منهم في حالة حرجة، مما يعني أن عدد شهداء الحادث الإرهابي مرشح للزيادة .

الأخبار المنقولة عن شهود العيان، والصور والفيديوهات المأخوذة من الكاميرات في منطقة الحادث توضح أن سيارة يقودها انتحاري ومعه شخص آخر تم تفجيرها وهي في حالة الحركة عندما كانت تمر بين حافلتين لنقل الركاب، مما سبب في ارتفاع عدد الضحايا إلى هذا الحد.

كلام كثير وتفصيلات عديدة من المنتظر أن تكشف عنها نتائج التحقيقات غداً، فقد أصدرت المحكمة المعنية حكما قضائيا بإيقاف جميع وسائل التواصل الاجتماعي حرصاً على سلامة سير عمليات التحقيق وجمع الأدلة، فيما تشير أصابع الاتهام إلى منظمتين إرهابيتين لهما سوابق في حوادث تفجير مماثلة.

الأولى حزب العمال الكردستاني: الذي مني بهزيمة نكراء في منطقة "سور" في مدينة "ديار بكر"، ومن قبلها في منطقة "جزرة" اللتين كان قد أعلنهما مناطقة محررة تابعة لحكمه الذاتي .. فهو يريد الانتقام لهذه الخسائر الجسيمة.

الثانية تنظيم داعش: هو الآخر تعرض لضربات كبيرة ومؤلمة على يد قوى الأمن التركية، خصوصا في مدن أورفا وعنتاب وأديمان، حيث تم اعتقال كثير من كوادره وخلاياه في تركيا،  فهو بدوره يريد الانتقام من الدولة التركية. 

مقابل ذلك هناك إجماع في أوساط المحللين السياسيين الأتراك أن هوية منفذ التفجير ليست مهمة بالدرجة الأولى، بل السؤال الأهم، من هو اللاعب الدولي أو الإقليمي الذي يقف وراء هذه التفجيرات ؟!.

توقيت التفجيرات:
لا يبدو توقيت التفجير اعتباطيا ولا مصادفة، فقد كان توقيت التفجير السابق قبيل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي كانت مقررة إلى أذربيجان، والتي تم تأجيلها بسبب التفجير يومها ! .. ثم جاء تفجير أمس الأحد أيضا قبيل قيام أردوغان بهذه الزيارة المؤجلة التي وصفت بالتاريخية والاستراتيجية،  حيث من المزمع أن يقوم الرئيس أردوغان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف بوضع اللمسات الأخيرة لمشروع خط البترول الذي يوصل الغاز الطبيعي من أذربيجان إلى أوربا عبر تركيا، وكانت ثلاث شركات تركية وأذرية وبريطانية قد وقعت العام الماضي على اتفاق شراكة لمشروع خط أنابيب (تاناب) لنقل الغاز الطبيعي الأذري إلى أوروبا عبر تركيا، ومن المقرر أيضا توقيع اتفاقيات بين البلدين وصفت بالاستراتيجية في مجالات الطاقة والدفاع ورفع مستوى التجارة البينية.

كذلك كان موعد تفجير أنقرة السابق قبيل انعقاد مباحثات جنيف بين المعارضة ونظام بشار الأسد، وتفجير أمس الأحد أيضا يصادف الموعد نفسه، حيث وقِت قبيل المباحثات المزمع عقدها بين أطراف القضية السورية مع المبعوث الدولي دي مستورا.

ولا ندري إن كان قد خطر ببال منفذي هذا الهجوم الإجرامي ومن يقفون وراءه أنه يصادف دخول العام السادس لانطلاقة الثورة الشعبية السورية ضد حكم آل الأسد الاستبدادي الديكتاتوري، وقيام تركيا حكومة وشعبا بالاصطفاف إلى جانب الشعب السوري، ودعمهما له في نضاله من أجل الحرية والكرامة ؟!.

عامل آخر اقتصاديا يجب عدم إغفاله، وهو تحسن أداء الاقتصاد التركي في الآونة الأخيرة، حيث رفعت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، توقعها بخصوص نمو الاقتصاد التركي لعام 2016 من 3٪ إلى 3.5%، في الوقت الذي خفضت فيه من توقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي، ونمو اقتصادات الدول الناشئة.

رسائل التفجيرات ومن المستفيد؟
أولى الرسائل التي أراد صاحب هذه التفجيرات إيصالها إلى تركيا،  هي انسحاب تركيا من لعب دور نشط في مجال الطاقة، البترول والغاز الطبيعي تحديدا. وثانيها: هي سحب يدها من المسألة السورية، والسماح بقيام كنتونات وكيانات تهدد الأمن القومي التركي. وثالثها: تسهيل مهمة القوى الداخلية التي لم تتمكن من لي ذراع حزب العدالة والتنمية عن طريق الانتخابات، فذهبت إلى العبثية والضرب من تحت الزنار، لخلق حالة من البلبلة وعدم الاستقرار،  وإقناع المواطن التركي بأن اختيار حزب العدالة والتنمية لن يأتي بالاستقرار.

إذا كان من المستحيل أن يكون التفجير الذي وقع أمس الأحد في أنقرة وما سبقه من تفجيرات قد حدثت دون دعم مخابراتي دولي، كما أن استخدام أجهزة المخابرات العالمية  لحزب العمال الكردستاني وتنظيم داعش كأدوات لتحقيق أهدافها حقيقة لا يماري فيها أحد، عندها لن يكون من الصعب تخمين القوى الدولية والإقليمية التي قامت بهذا التفجير الأثيم.

عن الكاتب

محمود عثمان

كاتب سياسي مختص بالشأن التركي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس