هيثم كحيلي - خاص ترك برس

تنظيم حزب العمال الكردستاني مصنف كتنظيم إرهابي في القوائم العالمية والأمريكية والأوروبية والتركية لمكافحة الإرهاب، حتى أن زعيم التنظيم طرد من سوريا ثم من إيطاليا ثم من السفارة اليونانية في كينيا بسبب تورطه في أعمال إرهابية، ثم قامت السلطات الكينية في آخر المطاف بتسليمه للسلطات التركية تحت تنسيق أمريكي في 15 فبراير 1999.

ورغم هذا، وبينما كان رئيس الوزراء التركي، أحمد داوود أوغلو، يفاوض الأوروبيين حول أزمة اللاجئين في العاصمة الأوروبية بروكسيل نهاية الأسبوع الماضي، سمحت السلطات البلجيكية لهذا التنظيم سيئ السمعة برفع أعلامه فوق خيمة دعائية أقيمت على بعد أمتار من مكان انعقاد الاجتماعات، وسمحت له بتوزيع مواد دعائية للتنظيم ولخطابه المبني أساسا على ترسيخ العداء بين المواطنين الأتراك المنتمين للعرقية الكردية من جهة، وبين الدولة التركية من جهة أخرى.

وبعد احتجاجات الجانب التركي، وخاصة تلك التي عبر عنها الرئيس رجب طيب أردوغان بأسلوبه الخاص وصوته العالي، قامت السلطات البلجيكية بإجبار منظمي الخيمة على إزالة أعلام التنظيم الإرهابي، وكان هذا ليفهم على أنه عودة للصواب لولا أن المسؤولين الأوروبيين توجهوا باللوم لداوود أوغلو وعبروا له عن استنكارهم لتصريحات أردوغان في هذا الخصوص، ولولا أن نفس الأعلام عادت لترفرف من جديد في بروكسيل بعد ساعات قليلة من عودة داوود أوغلو للعاصمة أنقرة.

وهنا أجدني في حاجة لأن أكرر مرارا المعلومة التي بدأنا بها المقال: هذا التنظيم ليس حزبا سياسيا محذورا في تركيا، أو جماعة تتهمها الحكومة التركية بالإرهاب، وإنما هو تنظيم إرهابي مصنف في القوائم الأمريكية والأوروبية والعالمية، ومتورط في أعمال إرهابية دموية كثيرة بدأت منذ أكثر من 30 سنة، وكان آخرها تفجير أنقرة الذي راح ضحيته حوالي 40 مواطنا تركيا مدنيا، والذي تبناه تنظيم "صقور حرية كردستان" التابع تنظيميا لتنظيم حزب العمال الكردستاني.

ولأن أعلام هذا التنظيم عادت لترفرف من جديد في العاصمة الأوروبية "بروكسيل"، عاد الرئيس التركي ليعلق مجددا بنفس أسلوبه "الشرس" وبذات صوته العالي، فتلخص كلامه في الآتي: يجب أن لا نميز ما بين التنظيمات الإرهابية، فكلها إرهابية كل تنظيم إرهابي يبقى تنظيما إرهابيا سواء كان تنظيم الدولة أو تنظيم العمال الكردستاني أولئك الذين يميزون ما بين التنظيمات الإرهابية يرتكبون خطأ كبيرا الأوروبيون بتعاملهم هذا مع حزب العمال الكردستاني يرقصون في حقل ألغام وأكثر ما استوقفني في كلمات أردوغان هو عبارة "يرقصون في حقل ألغام"، وقد استذكرت هذه العبارة مرتين خلال الأيام القليلة الماضية، الثانية كانت فور سماع خبر الأعمال الإرهابية الدنيئة في العاصمة بروكسل، والأولى قبل أيام عندما قرأت تقريرا لصحيفة لوموند الفرنسية تحت عنوان "كيف تجاهلت الاستخبارات الأمريكية معلومات قدمها لها الثوار السوريون حول المجموعات الإرهابية".

وتقول الصحيفة في ما نشرت، أن "الثورة السورية المعتدلة ضد بشار الأسد اختطفت من قبل تنظيم الدولة وجبهة النصرة بتواطئ أمريكي"، وتستدل على إدعائها هذا بوثائق وتسجيلات حصلت عليها من قائد استخبارات الجيش السوري الحر، تثبت أن الثوار المعتدلين قدموا على مدار سنتين معلومات وبيانات دقيقة عن أماكن تواجد قادة مهمين في تنظيم الدولة، وعن طرق تمويل بعض قادة التنظيم عبر شخصيات نافذة في نظام الأسد من بينهم رضوان حبيب الذي يشغل حتى الآن منصب نائب في برلمان النظام.

غير أن الولايات المتحدة الأمريكية، تجاهلت هذه المعلومات بشكل كامل، تماما كما تجاهلت معلومات عن قافلة سيارات جيب تابعة لتنظيم الدولة كانت متجهة نحو مدينة الرقة، رفض الأمريكيون قصفها بحجة وجود سيارة واحدة تحتوي على أطفال ضمن الرتل، على رغم من أن الطرف السوري أعطى معلومات كافية للتمييز ما بين السيارة التي تحتوي على الأطفال وباقي السيارات المليئة بمقاتلي تنظيم الدولة وبمختلف أنواع الأسلحة المستخدمة لمحاربة الثوار السوريين المعتدلين ولقمع المواطنين السوريين في الرقة وتدمر.

وهذه ليست أسرارا أفشيها أو إدعاءات أطلقها، وإنما معلومات نشرتها صحيفة لوموند وقالت أنها تأكد من صحتها من خلال وثائق. وما يحصل هنا هو أن الأوروبيين يتذرعون بحرية التعبير للسماح لتنظيم إرهابي بممارسة الدعاية في عواصمهم، كما يتذرع الأمريكيون بقائمة طويلة من الحجج لتبرير تواطئهم مع أحد أبشع التنظيمات الإرهابية وليسمحوا له بالنمو والتمدد تحت أعينهم، مما جعل عدد المقاتلين في هذا التنظيم يتضاعف من 20 مقاتلا إلى 20 ألفا خلال سنتين فقط، قبل أن تستفيق الولايات المتحدة الأمريكية وتعلن أنها ستبدأ الحشد لمحاربته. وهذه المقامرة الغربية الخطرة، تبدو أكثر وضوحا عند الحديث عن تنظيم "PYD" أو "حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، والذي تصر الولايات المتحدة الأمريكية على التعامل معه وعلى دعمه بكل السبل بما في ذلك تزويده بأطنان من الأسلحة تم إلقاؤها من السماء، كما تصر على عدم اعتباره تنظيما إرهابيا، على الرغم من أنه يمثل الفرع السوري لتنظيم العمال الكردستاني الذي تعتبره الولايات المتحدة تنظيما إرهابيا.

وخطورة هذه المقامرة تبلغ ذروتها عندما نتحدث عن إعلان السلطات التركية منذ أشهر عن امتلاكها لمعلومات تؤكد وجود تنسيق ما بين تنظيم الدولة من جهة، وما بين حزب العمال الكردستاني وما تبعه من تنظيمات من جهة أخرى، لأجل تنفيذ أعمال إرهابية بشكل مشترك في تركيا.

وهنا أكرر: الأوروبيون يتواطؤون مع حزب العمال الكرستاني الذي يصنفونه هم كتنظيم إرهابي الأوروبيون يتعرضون لهجمات إرهابية في قلب عواصمهم حزب العمال الكردستاني يتعاون مع تنظيم الدولة الذي تبنى الهجمات الإرهابية في أوروبا الأوروبيون يحاربون تنظيم الدولة لأنه إرهابي، ولا يحاربون حزب العمال الكردستاني وما تبعه الأوروبيون يتواطؤون مع حزب العمال الكرستاني الذي يصنفونه هم كتنظيم إرهابي والأوروبيون ومثلهم الأمريكيون، لا يفعلون هذا عن غباء أو عدم إدراك، وإنما هم يمارسون سياسة "الرقص في حقل ألغام"، فهم في حاجة للتنظيمات الكردية حتى إن كانت إرهابية لأنها قد تكون أداة ضغط على الجانب التركي في تركيا، ولأنها قد تكون ذات يوم نواة لتأسيس كردستان سوريا. وكذلك الأمريكيون يشعرون بأنهم في حاجة لبقاء تنظيم الدولة بشكل مؤقة إلى حين الوصول إلى اتفاقات حول خارطة تقسيم جديدة للمنطقة كفيلة بضمان مصالحهم.

وما يجب أن نذكر به هؤلاء الراقصين أو أولئك المتفرجين، يعني أولئك المتواطئين مع التنظيمات الإرهابية بحجة أنها كردية أو بحجة إعداد البديل، أو أولئك المعتمدين على الأنظمة العسكرية القمعية لتجميد إرادة شعوب المنطقة؛ فهو أنهم يتحملون مسؤولية كل لغم ينفجر في أرض آمنة، ويتحملون مسؤولية كل قطرة دم تسفكها هذه التنظيمات الإرهابية سواء كانت تنظيم الدولة أو حزب العمال الكردستاني، سواء كانت في أنقرة أو في بروكسل أو على بعد أمتار من مكان تواجد رئيس الجمهورية الفرنسية كما حدث مؤخرا في باريس.

عن الكاتب

هيثم كحيلي

كاتب صحفي وباحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس