محمد عمر زيدان - خاص ترك برس

عاشت المرأة السورية واقعًا مريرًا في ظل السنوات الخمس من عمر ثورة الكرامة السورية، وقد قاست المرأة أقسى أنواع العذاب ولاقت جميع صنوف التنكيل. فقد شاركت المرأة منذ اليوم الأول للثورة ، ووقفت إلى جانب الرجل كتفًا بكتف.

وكما يعلم القاصي والداني أن الثورة في أشهرها الأولى كانت سلمية صرفة ولم يكن فيها أي شكل من أشكال التسليح، وهنا برز دور المرأة المساند للرجل وكان دورًا رائدًا بكل ما تعنيه الكلمة من معنى فشاركت بالمظاهرات وكتابة اللافتات والاعتصامات  والاحتجاجات والتنسيقيات ومساعدة الجرحى الذين يتعرضون للإصابة بالمظاهرات وإيواء المتظاهرين وقد تعرضت حياة الكثيرات  للخطر. فضلًا عن دور المرأة في الإعلام  فقد عملت أكثر من فتاة سورية مراسلة للقنوات الفضائية لنقل الواقع السوري ولا ننسى المظاهرات الخاصة بالنساء كمظاهرة قرية البيضا وبانياس واعتصامات وزارة الداخلية كما كان لطالبات الجامعات(جامعة حلب) دورًا كبيرًا بالمظاهرات السلمية في أوج التضييق الأمني وفي هذه المرحلة الحرجة من عمر الثورة لاقت المرأة ما لاقاه الرجل من ملاحقات واعتقال واغتصاب وتعذيب حتى أصبح يمر خبر اعتقال النساء كأنه أمر عادي في مجتمع محافظ كالمجتمع السوري، ولم يكن المعتقل بحاجة إلى تهمة في تلك الأثناء فالتهم كثيرة ومفصلة حسب المقاس فكل من هو تحت سن الثامنة عشرة لم يحصل على البكالوريا  فهو إما  متظاهر أو يؤوي المتظاهر أو يعمل بالتنسيقيات، أما من حصل على البكالوريا فتهمته إما الإعلام أو الاتصال بالخارج أو مسلح أو قام بتفجير ووووإلخ، ولم يسلم من ذالك الرجال أو النساء .

أما في مرحلة الكفاح المسلح فقد أبدت المرأة شجاعة نادرة قلما وجدت في نساء الأرض فقد حملت السلاح لا لتقاتل به وإنما لتقول لذكور العالم ورجال سورية إنني معكم أقدم أبي وأخي وزوجي وابني فداء لهذه الثورة من جهة ومن جهة أخرى حتى تبقى رؤوسكم مرفوعة أمام هذا العالم فرسمت المرأة السورية بذالك قدوة تحتذى ومنارة تهتدى وعلمًا يرتجى، وسطّرت المرأة السورية أروع ملاحم العزة والإباء والتضحية والصبر والكبرياء فقد قدمت الغالي والنفيس من أجل نُصرة الثورة السورة وإعلاء كلمة التوحيد وحرية البلد وازدهاره وتقدمه، وكم كانت عظيمة تلك المرأة  التي قُرنت أدوارها بأدوار الرجل فرسمت بمخيلة العالم صورًا لن تنسى إلى قيام الساعة وسنذكر بعض هذه الصور على سبيل الحصر لتكون أرشيفا يوثق وتاريخًا يكتب وقصص تروى ولنضع حجرًا لتأريخ دور المرأة السورية.

الصورة الأولى: المرأة التي قدمت  زوجها وشريك حياتها وعمود بيتها شهيدًا وهي تملك عدة أطفال بعد أن كانت ملكة متوجة على عرش بيتها وزوجها وفجأة أصبحت معيلة لأسرة كبيرة وأطفال لم يبلغوا الحلم بعد وتخيلوا أنتـم المأساة.

الصورة الثانية: تلك المرأة التي فقدت زوجها في عامها الأول من الزواج وهي حامل وجاء الطفل إلى هذه الحياة وهو يختلف عن كل أطفال العالم بأنه محروم من كلمة أبي.

الصورة الثالثة: تلك المرأة الصابرة المحتسبة التي فقدت أبناءها الخمسة وقد حملت السلاح وأصرت على الأخذ بثأرهم في رمزية على أن أبناءها بدؤوا الطريق وعلى من يأتي بعدهم عليهم الاستمرار حتى الانتصار فأما الشهادة أو النصر.

الصورة الرابعة: المرأة التي فقدت ابنها الوحيد الذي خرجت به من الدنيا بعد معاناة مع الحمل أعوام طويلة ثم قدر الله أن تحمل بهذا الطفل وربته حتى أصبح يافعاً ثم قدمته شهيدًا جميلًا فحملته مرتين مرة في بطنها ومرة على كتفها وهي تحمل نعشه.

ولا أريد أن استطرد كثيرا فالصور كثيرة والمشهد أكثر قتامة مما يخيله الإعلام، وعلى الرغم من ذالك فلم تثني كل هذه الصعاب من همة المرأة السورية فقد ذهبت لتشكيل كتائب نسائية مسلحة لرد العدوان مثل كتيبة سمية بنت خياط في ريف دمشق "النبك"، وكتيبة أُمنا عائشة في حلب، وكتيبة بنات الوليد في حمص كما قامت بنقل الذخيرة ومشاركة الرجل في القتال ونقل الجرحى من أرض المعركة. وإن كانت على قلتها وندرتها إلا أنها قالت للعالم حتى في هذا المجال أنا موجودة وفعالة، وعملت المرأة في أهم وأجل عمل ألا وهو قطاع الصحة وساهمت في إنشاء والمشاركة في مكاتب الدفاع المدني وعملت على انتشال الجرحى وقامت بالعناية بهم وأظهرت المرأة جسارة قلما أمتلكها كثير من الرجال في هذا المجال فعندما فر الكثير ممن عملوا بالقطاع الصحي (أطباء وصيادلة وممرضين) إلى خارج البلد في الوقت التي كانت الثورة بأمس الحاجة إليهم بقيت الكثير من النساء صامدات وشاركن وأشرفن على تشكيل النقاط الطبية والمشافي الميدانية لا بل إن الكثير من النساء سدوا الفراغ الذي خلفه الأطباء باتباع دورات تمريض أو دفاع مدني وانخرطوا مباشرة بالعمل الميداني والجهادي وهنا أقول جهادي لأنه لا يقل عن جهاد الرجال على الجبهات. الله الله في المرأة السورية التي سيسجل التاريخ أعمالها بحروف من نور وسيُكتب بأن المرأة قاست ما لم تقاسيه نساء العالم على مر العصور.

أما اليوم بعد خمس سنوات من الثورة السورية فقد همّش دور المرأة قليلاً فأصبح بحسب المنطقة التي تسيطر عليها الفصائل من حيث التطرف والاعتدال ففي أماكن يسمح للمرأة العمل بقطاع الصحة والتعليم والخروج والدخول بضوابط تتحكم بها العادة والتقاليد والأعراف، وفي بعض المناطق لا يسمح للمرأة العمل والخروج إلا بمحرم واختلفت أيضا نظرة بعض الرجال إلى النساء بعد دخول المقاتلين الأجانب فأصبحوا أكثر شدة على الرغم من أن مواقفهم قبل الثورة لم تكن كذالك أما بالمجمل فقد احترمت الثورة السورية المرأة وكرامتها ولم تفرض عليها قيود وإنما وصفت الثورة وثوارها النساء بالحرائر وأفردوا لهم جمعة تحت اسم (حرائر سوريا) 13 أيار/ مايو 2011 ولم تقحمها بالعمل العسكري تكريمًا لها ولاختلاف طبيعتها عن طبيعة الرجل ورعت الثورة نساء الشهداء وأطفالهم وقدمت لهم يد العون على قدر المستطاع وستظل  نساء سوريا حرائر كريمات كما ستظل سورية حرة كريمة أبية.

عن الكاتب

محمد عمر زيدان

أكاديمي سوري وأستاذ جامعي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس