ترك برس

رأى المحلل السياسي والباحث التركي، محمد زاهد جول، المتخصص في العلاقات التركية العربية، أن من أسباب إنسحاب روسيا من سوريا، هو "إدراك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رجل المخابرات السوفيتية السابق حقيقة الخطر والعجز عملياً خلال خمسة أشهر، وأن من جاء لمساعدته لا يستحق المساعدة، وهو بشار الأسد، كما أدرك أن زعماء القومجيين العرب أدوات بيد المخابرات الأمريكية".

جاء ذلك في حوار مع جريدة "الشرق"، في معرض ردّه على سؤال "برأيك لماذا انسحب الروس، هل لهزيمتهم أم لأنهم يدعمون العملية السياسية كما رددت وسائل الإعلام الروسية ..أم هناك أسباب أخرى؟".

وقال جول إن "كل ما ذكر صحيح، وأهمها أن العجوز الأعمى لا يقود غيره، وهو لا يعتمد إلا على عصاه الغليظة، فروسيا الاتحادية وريثة التركة السوفيتية الثقيلة والعمياء والعاجزة امام الغرب، وامريكا تعلم علم اليقين أن روسيا لا تستطيع أن تكون منافسا لها في الشرق الأوسط، ولكنها تركتها تدخل في مغامرة خاسرة، ولا أخفي سرا أن واشنطن حزينة للانسحاب الروسي السريع، فهي كانت تحضر لمعارك أكبر مثل أفغانستان".

وأشار جول إلى أن "الانسحاب كان متوقعاً، ولكن توقيته كان سريعاً، وقد دعوت في مقالاتي السابقة الشعب الروسي، بل والكنيسة الأرثوذوكسية الروسية بالضغط على بوتين للانسحاب من سوريا، فروسيا غير معنية بصناعة حالة عداء كبيرة مع العالم العربي والإسلامي من أجل مصالح بشار الأسد، أو من أجل مصالح إيران في البداية والنهاية، قبل أن يتبين لإيران أنها أخطات بدعوة بوتين لمواصلة حربها في سوريا، بعد أربع سنوات فاشلة من القمع الممنهج ضد الشعب السوري".

وتابع بالقول، "وفي نفس الوقت، كانت روسيا مخطأة بتدخلها في سوريا، لأنها أعجز من إيران في تغيير معادلة الوضع العسكري في سوريا، فما تم إنجازه خلال خمسة أشهر من قصف مواقع الثورة السورية هو استعادة 3% من الأراضي لصالح نظام الأسد، وهي ليست مواقع استراتيجية في المعركة، ولكن بوتين خاض تجربة غزو عسكري رخيصة، وهذا بحسب تصريحاته المتكررة، بهدف عمل تدريبات ومناورة عسكرية للجيش والصواريخ الروسية الباليستية في سوريا بدل إجرائها في روسيا.

وحيث إن حجته الكاذبة بمحاربة الإرهاب تستعملها أمريكا وغيرها لمحاربة الشعب السوري، وحيث إن أمريكا كانت من المشجعين لبوتين للتورط في سوريا، فقد تم لبوتين ما أراد، وهرب قبل فوات الأوان، لأن فاتورته الأخلاقية سوف تزيد سوءا لو واصل القصف الإجرامي للشعب السوري، وكذلك فواتيره المالية داخليا وخسارته الشعبية أمام المعارضة الروسية، فالانسحاب الروسي مؤشر على فشله في تحقيق الأهداف المعلنة من قبله، ودليل على ضعف الدول العربية والإسلامية، حيث تسمح للمغامرين أن يدربوا جيوشهم على أراضيهم وتكون شعوبهم هي ميدان الرماية الرخيص".

وفي ردّه على سؤال حول ما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية جادة في إحلال السلام في سوريا أم لا، أوضح جول أنه "منذ سبتمبر 2011 قامت أمريكا بتسليم الملف السوري السياسي لروسيا، لأن أمريكا فضلت في البداية أن تشاهد العبث والقتل في سوريا وهي تجلس على أدراج المسرح، وتركت كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي ودي مستورا يتلهون مع لابروف ووزراء الخارجية العرب والأتراك في المباحثات السياسية، وتقديم خلاصات مفاوضاتهم لجون كيري ومن قبله لهيلاري كيلنتون، ولكنها أي أمريكا لم تكن تسمح لهم بالتوصل إلى أي اتفاق أولاً، لأنها مستمتعة بمشاهدة فصول الجرائم والمجازر الكبرى في سوريا، بما فيها الأسلحة الكيماوية والبراميل المتفجرة، وتشير لكل طرف بما يتوجب عليه عمله لمواصلة القتل والقتال، وقد وضعت على فصائل الثورة السورية من خلال الدول العربية وتركيا فيتو أمريكي لإسقاط الأسد بالقوة المسلحة، ولذلك فإن الغزو الروسي والانسحاب أحد مشاهد المسرحية التي تديرها أمريكا، دون أن تؤثر على الحل السياسي ولا العسكري، لأن روسيا لم تستطع تغيير الوضع العسكري إلا قليلاً، وبالتالي فلن تستطيع تغيير الوضع السياسي، لأن المُخرج الأمريكي لا يزال يمسك بعناصر المسرحية المؤلمة، ولم يشبع من مشاهدة الدماء الرخيصة في نظره".

وكان الرئيس الروسي ملاديمير بوتين، وجّه وزير دفاعه منتصف الشهر الماضي، لبدء سحب المجموعات الروسية من سوريا، نظرا "لإنهائها تنفيذ مهماتها"، وشدد -خلال اجتماع مع وزيري الدفاع والخارجية في الكرملين- على ضرورة تكثيف الدور الروسي في العملية السياسية لإنهاء الصراع في سوريا، وقال متحدث باسم الكرملين ديمتري بوسكوف إن بوتين أبلغ الرئيس السوري بشار الأسد هاتفيا بالقرار الروسي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!