ولاء خضير - خاص ترك برس

عمّت الاحتفالات في مدينة ‫‏بورصة التركية أمس الأربعاء، بمناسبة الذكرى الـ690 للفتح العثماني لمدينة بورصة، وهي عاصمة ومركز الخلافة العثمانية.

حيث تُعد الدولة العثمانية، وهي تركيا حاليًا، آخر الإمبراطوريات الإسلامية، والتي تأسست على يد عثمان الأول بن أرطغرول بن سليمان شاه، حيث بقيت الدولة العثمانية قائمة حوالي 600 عام، من سنة 1299م- حتى سنة 1923 م، وكان اسمها الرسمي هو الدولة العلية العثمانية.

كانت ذروة قوتها ومجدها خلال القرن السادس عشر، والقرن السابع عشر، حيث سيطرت على مناطق كثيرة من القارات العالمية الثلاث وهي أفريقيا وآسيا وأوروبا، حيث أنها سيطرت على آسيا الصغرى، وغرب آسيا، وشمال أفريقيا، وجنوب شرق أوروبا.

وكان عدد الولايات العثمانية تقريبًا 29 ولاية عثمانية، وكان يطلق عليها العرب اسم "الدولة العثملية"، ومن الأسماء التي كانت تطلق عليها أيضًا "الدولة العلية"، بالإضافة إلى الإمبراطورية العثمانية، وكانت أول عاصمة للدولة العثمانية هي مدينة بورصة، أو بروسة كما هي باللّغة التركية.

كان أرطغرل بن سليمان شاه حليفًا للسلاجقة، حتى أقطعه السلطان السلجوقي علاء الدين منطقة في أقصى الشمال الغربي من الأناضول، على الحدود البيزنطية، في المنطقة المعروفة باسم "سوغوت" حول مدينة أسكي شهر، حيث بدأت عشيرته التركمانية "كايي"هناك حياة جديدة، إلى جانب إمارات تركمانية سبقتها إلى المنطقة.

علا شأن أرطغرل لدى السلطان، بعد أن أثبت إخلاصه للسلاجقة، وأظهرت عشيرته كفاءة قتالية عالية في كل معركة، ووُجدت دومًا في مقدمة الجيوش، وتمّ النصر على يدي أبنائها، فكافأه السلطان بأن خلع عليه لقب "أوج بكي"، أي محافظ الحدود، اعترافًا بعظم أمره، وبات يلقب بـ "الغازي" تقديرا لفتوحاته وغزواته.

توفي أرطغرل بن سليمان شاه، وهو والد مؤسس الدولة العثمانية سنة 1281م ، فتولّى زعامة الإمارة ابنه البكر عثمان، فأخلص الولاء للدولة السلجوقية، على الرغم مما كانت تتخبط فيه من اضطراب، وما كان يتهددها من أخطار.

فبدأ يوسع أملاك قبيلة "كايي التركيّة"، بموافقة السلطان السلجوقي علاء الدين أمير القرمان، وأظهر عثمان في بداية عهده براعة سياسية في علاقاته مع جيرانه، فعقد تحالفات مع الإمارات التركمانية المجاورة، ووجه نشاطه العسكري نحو الأراضي البيزنطية، لاستكمال رسالة دولة سلاجقة الروم بفتح الأراضي البيزنطية كافة، وإدخالها ضمن الأراضي الإسلامية، وواصل توسعه باتجاه غربي الأناضول، وفي عبور الدردنيل إلى أوروبا الشرقية الجنوبية.

وثم أقدم عثمان بعد أن ثبّت أقدامه في إمارته، على توسيع حدودها على حساب البيزنطيين، ففي عام 1291م فتح مدينة "قره جه حصار"، الواقعة إلى الجنوب من سوغوت، وجعلها قاعدة له، ومنها قاد عشيرته إلى بحر مرمرة، والبحر الأسود.

وحين تغلب المغول على دولة قونية السلجوقية، سارع عثمان إلى إعلان استقلاله عن السلاجقة، ولقّب نفسه "پاديشاه آل عثمان" أي عاهل آل عثمان، فكان بذلك المؤسس الحقيقي لهذه الدولة التركية الكبرى، التي نُسبت إليه لاحقًا.

واتخذ لها عاصمة هي مدينة يني شهر، أي المدينة الجديدة (إسكي شهر سابقًا)، واتخذ راية له هي علم تركيا حتى الآن، ودعا عثمان أمراء الروم في آسيا الصغرى إلى الإسلام، فإن أبوا فعليهم أن يدفعوا الجزية، فإن رفضوا فالحرب.

وظلّ عثمان يحكم الدولة الجديدة بصفته سلطانًا مستقلًا، حتى تاريخ 6 نيسان/ أبريل سنة 1326م، عندما أرسل ابنه أورخان لحصار مدينة "بورصة" (في آسيا الصغرى)، فحاصر أورخان القلاع المحيطة بها، وظل محاصرا لها قرابة عشر سنوات، ولما تأكد حاكمها البيزنطي أنها أصبحت في قبضة أورخان سلَّمها إليه، فدخلها دون قتال سنة 1325م، ولم يتعرض أورخان لأهلها بسوء، مما جعل حاكمها أفرينوس يعلن إسلامه، فمنحه أورخان لقب "بك".

ولم يكد أورخان يتمُّ فتح مدينة "بورصة"، حتى استدعاه والده عثمان الذي كان على فراش الموت، ولم يلبث أن فارق الحياة، بعد أن أوصى له بالحكم من بعده في 2 من آب/ أغسطس 1325م.

وفي هذه السنة، توفي عثمان عن عمر يناهز السبعين عامًا، بعد أن وضع أسس الدولة، ومهد لها درب النمو والازدهار، وخُلع عليه لقب آخر هو "قره عثمان"، وهو يعني "عثمان الأسود" باللغة التركية، ويُقصد به "الشجاع" أو "الكبير" أو "العظيم"، ودفن بمدينة بورصة، التي أصبحت مدفن العائلة العثمانية بعد ذلك.

السلطان الغازي أورخان الأول

وأصبحت بورصة عاصمة الدولة العثمانية في عهد  أورخان، وعُني أورخان بتنظيم مملكته تنظيمًا محكمًا، فقسمها إلى سناجق أو ولايات، وجعل من بورصة أول عاصمةً للخلافة العثمانية، وضرب النقود بإسمه، ونظّم الجيش، فألّف فرقًا من الفرسان النظاميين، وأنشأ من الفتيان المسيحيين الروم والأوروبيين الذين جمعهم من مختلف الأنحاء، جيشًا قويًا عُرف بجيش الانكشارية.

وفي عام 1337م، شنّ هجومًا على القسطنطينية (إسطنبول)، عاصمة البيزنطيين نفسها، ولكنه أخفق في احتلالها، ومع ذلك فقد أوقعت هذه الغزوة الرعب في قلب إمبراطور الروم "أندرونيقوس الثالث"، فسعى إلى التحالف معه وزوجّه ابنته، ولكن هذا الزواج لم يحل بين العثمانيين، وبين الاندفاع إلى الأمام، وتثبيت أقدامهم سنة 1357م في شبه جزيرة غاليبولي.

ولمَّا اتسع ملك الدولة العثمانية، تفرَّغ أورخان لترتيب البلاد وتنظيمها، وسنَّ القوانين اللازمة لاستتباب الأمن، وانتشار العمران في أنحاء الدولة العثمانية كافة، وعندما زار الرحَّالة المعروف "ابن بطوطة" بلاد الأناضول في فترة حكم السلطان أورخان وقابله هناك، قال عنه: "إنه أكبر ملوك التركمان، وأكثرهم مالا وبلادا وعسكر، وإن له من الحصون ما يقارب مائة حصن، يتفقدها ويقيم بكل حصن أياما لإصلاح شؤونه".

وهكذا اشتد الخطر العثماني على القسطنطينية من جديد، وشهد المسلمون في عهد أورخان أوّل استقرار للعثمانيين في أوروبا، وأصبحت الدولة العثمانية تمتد من أسوار أنقرة في آسيا الصغرى إلى تراقيا في البلقان، وشرع المبشرون يدعون السكان إلى إعتناق الإسلام، ثم توفي أورخان الأول في سنة 1360م، بعد أن أيّد الدولة الفتيّة، بفتوحاته الإسلامية الجديدة وتنظيماته العديدة، والذي يُعَدُّ أول سلطان عثماني، امتد ملكه إلى داخل أوروبا، وكانت مدة ملكه خمسا وثلاثين سنة، وتولّى بعده ابنه "مراد الله"، الملقب بمراد الأول.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!