كمال أوزتورك -صحيفة ستار-ترجمة وتحرير ترك برس

كنا متحمسين في عام 2007 للإعلان عن انطلاق مشروع منظمة التعاون الإسلامي، وكنا نأمل من هذه المنظمة أنْ تكون قوية وتكون نقطة تحول في العالم الإسلامي، وحينها اتصل بي ابراهم كالن، رئيس معهد الأبحاث "SETA" في ذلك الوقت، وتحدث لي عن هذا المشروع، وسألني فيما إذا كنت أرغب بأن أكون مستشارا إعلاميا للسكرتير العام لمنظمة التعاون الإسلامي أكمل الدين إحسان أوغلو، وأخبرته بأني متحمس جدا لذلك.

وانطلقت بعدها في تجهيز مشروع إعلامي، بدءا من فتح مكاتب في شتى بقاع الأرض، ومرورا بتحضير أفلام سينمائية، وقنوات تلفزيونية، وصحيفة الكترونية، وحضرت مشروعا واسعا جدا ومتكاملا، وذهبت متحمسا لأقدمه بين يدي إحسان أوغلو، وسلمته ملف المشروع، وأصبح يقلب سريعا بين أوراقه، وقال "هذه أمور ضخمة، لكن هل  بإمكانك إتاحة الفرصة لي كي أخرج على صحف مجموعة دوغان الإعلامية؟"، حينها تحوّل حماسي إلى خيبة أمل كبيرة، وقلت له: "مقامكم بمثابة موقع رئيس دولة، أنا أتحدث عن نيويورك تايمز، وCNN، وأنتم تتحدثون عن مجموعة دوغان؟ من هي مجموعة دوغان؟"، وهكذا انتهى الاجتماع به، وبعد ذلك عيّن إحسان أوغلو أحد العاملين في مجموعة دوغان الإعلامية مستشارا إعلاميا له.

تجربة منظمة التعاون الإسلامي فشلت

حزمة الإصلاحات التي كان من المخطط أنْ تقوم بها منظمة التعاون الإسلامي على مدار 10 سنوات بعد تأسيسها، فشلت، ولم يتم تحقيق أي شيء منها، وإحسان أوغلو دعم حزمة الإصلاحات هذه، لكن معادلات التوازن التي كان يريدها بين الدول، وخططه الشخصية، ومشكلة رؤيته كانت سببا في عدم النهوض بمنظمة التعاون الإسلامي، والسكرتير العام الذي أتى بعده، زاد من حالة الجمود في المنظمة، ومع بدء الأحداث في سوريا، تحولت إلى هيكلية ميتة.

نعم، لا يستطيع السكرتير العام لوحده النهوض بمنظمة بحجم منظمة التعاون الإسلامي، لكنه على الأقل كان عليه المساهمة في تأسيسها، وتحويلها إلى منظمة قوية وفاعلة.

أصبح حلم مساهمة هذه المنظمة في تعزيز الوحدة بين دول العالم الإسلامي ضربا من الخيال، وهذا ما أصبحنا نشعر به لدى جميع الأطراف، وفكرة توحيد الصف الإسلامي تبدو صعبة، وذلك بسبب النظرة المشروطة إلى هذا الموضوع، وبسبب التشاؤم لدى الناس، والذين يتحدثون عن "الخيانة، الجهل، الطائفية" كلما بدأنا النقاش حول هذا الموضوع، ويضعون هذه المعوقات، ويرون أنها سبب لاستحالة توحيد صف الأمة الإسلامية، وهؤلاء دوما يحدقون النظر إلى الجزء الفارغ من الكأس.

السياسة الحقيقية تتطلب منا أنْ نقيّم الأوضاع بصورة منطقية أكثر، نعم، دول العالم الإسلامي فقيرة، ومتخلفة بالنسبة إلى غيرها، وتعيش أوضاعا اقتصادية صعبة، لكن هذه الأسباب يجب ألا تحول دون تشكيلنا وحدة وتعاون مشترك بين دول العالم الإسلامي.

منظمة التعاون الإسلامي تضم 57 دولة مسلمة، وعدد سكان تلك الدول 1.8 مليار نسمة، يعني 27% من سكان الكرة الأرضية، والنظر من هذا الإطار يجعلنا نرى من الناحية الاقتصادية بأنّ هذا سوق ضخمة، ولو نظرنا إلى الإحصائيات الاقتصادية لوجدنا أنّ 16% فقط من التجارة الخارجية لهذه الدول تذهب إلى الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي، والباقي يذهب لدول أخرى.

تبلغ نسبة مساهمة هذه الدول في الاقتصاد العالمي 7.2%، وهذه النسبة أقل من نسبة ألمانيا لوحدها والتي تبلغ 8.2%، وحجم التجارة الكلية لهذه الدول مجتمعة 3.3 ترليون دولار، وهذا الحجم منخفض جدا، ولو نظرنا إلى الأرقام والإحصائيات سنجد العديد من المؤشرات السلبية الأخرى، لكن إذا أدركنا حقيقة أنّ معظم هذه الدول هي دول نامية، وأنها لا تزال تعاني من الاستعمار، ومعظمها يعاني من مشاكل حقيقية وأزمات سياسية واستعمارية، فهذا يقودنا إلى مصدر آخر من القوة تمتلكها هذه الدول.

أكبر مصدر قوة للعالم الإسلامي

يوجد في منظمة التعاون الإسلامي 19 دولة تُصدر النفط والغاز، وهؤلاء يملكون تأثيرا قويا في سوق الطاقة العالمية، وإذا أضفنا إلى ذلك مخزون المعادن تحت الأرض، والخيرات الطبيعية، والميزات الجيوسياسية التي تمتلكها دول العالم الإسلامي، نجد أنفسنا أمام وضع مختلف تماما، وهنا لا أتحدث سياسيا، فكل دولة من دول العالم الإسلامي عليها أن تحل مشاكلها بنفسها، وهذا ما فهمه الجميع من الأحداث التي عشناها في الأعوام الخمسة الماضية.

القضية تتعلق بوجود أناس مؤمنين بأهمية هذه المنظمة أو أهمية وحدة دول العالم الإسلامي، تتعلق بوجود سياسيين مؤمنين بالقوة الهائلة التي تمتلكها هذه الدول مجتمعة، ولذلك يجب أنْ يتواجد سكرتير عام مؤمن إيمانا يقينيا بذلك، وكلنا نشهد على أنّ نجم الدين أربكان، وأردوغان، وأحمد داود أوغلو قاموا بالعديد من الخطوات في هذا الإطار، وعلى الرغم من أنه لم يتحقق كل ما كانوا يرنون إليه، إلا أننا لاحظنا كيف أنّ مشروع الدول الثماني الإسلامية النامية، قد حقق قفزات اقتصادية مهمة لها، إذ ازداد فيها حجم التجارة ثمانية أضعاف.

لا أعتقد بانه من يقول: إنّ زيادة وحدة دول العالم الإسلامي تعني غلق الأبواب في وجه الغرب، يحملون نوايا سليمة، فتجارة الدول الغربية مع الدول الإسلامية أكبر من حجم تجارتها مع تركيا، لأنّ هذه الدول تبني سياستها بما يحقق الأرباح لها، ويوفر الأسواق المربحة لها، ويقومون بأي شيء من أجل ذلك.

علينا ألا ننسى بأنّ تركيا أكبر دولة من بين دول منظمة التعاون الإسلامي، وهي القائد الطبيعي لها، وبمثابة الدولة الشقيقة للدول الإسلامية كلها، ولذلك فإنّ إحياء هذه المنظمة، وتقويتها، تقع بشكل كبيرعلى عاتق تركيا.

عن الكاتب

كمال أوزتورك

إعلامي صحفي تركي - مخرج إخباري وكاتب - مخرج أفلام وثائقية - مدير عام وكالة الأناضول للأنباء سابقًا


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس