أ. محمد حامد - خاص ترك برس

من منا لم يتابع يوما خطابا للرئيس الليبي الراحل معمر القذافي ولم يستطع أن يتمالك نفسه من الضحك. من منا لم يضحك عندما سمع العقيد وهو يقول سأظل في ليبيا إلى أن أموت أو يوافيني الأجل، أو وهو يقول إن أوباما عربي واسمه الحقيقي بوعمامة. من منا لم يضحك وهو يقرأ في المجموعة القصصية التي ألفها القذافي من أن من الواحب تحديد جنس الموت ومعرفة إن كان ذكرا أو أنثى، فإن كان ذكرا وجبت مقارعته حتى النهاية، وإن كان أنثى وجب الاستسلام لها حتى الرمق الأخير.

رحل القذافي ولكن الضحك من تصريحات مسؤولين كبار، لا يخامر المرء شك في رجاحة عقلهم، لم يختف، فأحدهم يقول إن مصر ليست وطنا نعيش فيه ولكنها وطن نعيش فيه، وآخر يقول إن المستشفيات في مصر أفضل من بريطانيا، وثالث يقول إن الأرض تبتل عند تساقط المطر، إلى أن نصل إلى آخر تصريح قذافي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتهم فيه القادة السياسيين الأتراك بالسعي إلى أسلمة المجتمع التركي.

منذ الأزمة التي شهدتها العلاقات التركية الروسية بعد إسقاط المقاتلات التركية لطائرة عسكرية روسية، بدأت موسكو، التي كانت سابقا حليفا قويا للقذافي، حملة إعلامية ضد تركيا، دشنها رأس الكرملين في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي  باتهام أنقرة بشراء النفط من تنظيم داعش الإرهابي، ودعم داعش بالسلاح من أجل إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد. ثم توالت التصريحات على لسان وزير الخارجية ووزير الدفاع الروسيين التي تؤكد امتلاك موسكو للأدلة على الاتهام.  

قذافية التصريحات الروسية انتقلت عدواها إلى حليفيها طهران وتل أبيب، فقال محسن رضائي أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام إن بلاده تملك معلومات ووثائق تتعلق ببيع داعش النفط إلى تركيا، وإن المستشارين الإيرانيين في سوريا التقطوا صورا وأفلاماً تظهر طرق الناقلات إلى تركيا، بينما قال وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعالون خلال زيارته لليونان إن داعش نعمت بالأموال التركية مقابل النفط لفترة طويلة جدا.

يتساءل رجل الشارع العادي لماذا لم يظهر الحديث عن شراء النفط من داعش إلا بعد إسقاط المقاتلة الروسية، ولماذا لم تتقدم موسكو بالأدلة التي تزعم امتلاكها إلى مجلس الأمن حتى الآن رغم مرور ستة أشهر على طرح هذا الزعم.

التصريحات الروسية الإسرائيلية سرعان ما لقيت صدى في عدد من التحليلات السياسة الإسرائيلية كان أكثرها قذافية ما كتبه المحلل السياسي يفيجيني كلاوفر المحاضر في قسم العلوم السياسية بجامعة تل أبيب. ولكن المعضلة التي واجهت المحللين السياسيين هي كيف يمكن الجمع بين دعم تركيا لداعش في الوقت الذي نفذ فيه التنظيم عددا من التفجيرات الإرهابية في الداخل التركي كان آخرها ما وقع في مدينة إسطنبول في شهر آذار/ مارس الماضي.

في ضوء التحليل القذافي الذي قدمه كلاوفر فإن الجواب من السهولة بمكان: فعندما ارتفعت أسعار النفط في الأسواق العالمية طلبت داعش من الأتراك رفع سعر النفط الذي تبيعه لهم، لكن أردوغان وابنه اللذين يتاجران مع داعش رفضا هذا الطلب، فقررت داعش تنفيذ تفجير في شارع الاستقلال حتى تردع أردوغان، ولكي تظهر قوتها لتركيا.

بدا لي بعد أن قرأت تحليل كلاوفر أن أعرض عليه قراء المجموعة القصصية التي ألفها القذافي "القرية القرية الأرض الأرض وانتحار رائد الفضاء" لكنني لن أثقل عليه وأطلب منه قراء المجموعة كاملة رغم قصرها، بل سأطلب منه أن يقرأ قصة رائد الفضاء التي تنتهي بانتحاره بعد أن أيس من الحصول على عمل يعيش به فوق الأرض.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس