يوسف ضياء جومرت - صحيفة قرار - ترجمة وتحرير ترك برس

نحن لم نصنع المذاهب، فعندما ولدنا وجدناها أمامنا، ومعظمنا بقي على المذهب الذي ولد عليه، وبعضنا قام بمناقشة خصائص وسمات مذهبه، واستمر عليه، والأقل من ذلك، شعر بسبب الزواج والهجرة وأسباب أخرى بحاجته لتغيير مذهبه، والأقل قلة من ذلك، قام بتغيير مذهبه بناء على دراسات وقناعة توصل إليها من خلال بحثه وتحليله.

وهذا الأمر طبيعي، وتعدد المذاهب أيضا طبيعي، كتعدد الأفكار والآراء، ولذلك كان المفترض أنْ تستمر الحياة بصورة طبيعية، لكنها لم تستمر كذلك، ووقعنا في مواجهة بعضنا البعض، وسفكنا دماء بعضنا البعض، بسبب أنّ فلانا يعتقد هكذا، وآخر يؤمن بذاك. لكن هل هذا هو ما حصل فعلا؟ هل بسبب خلافنا العقائدي والفكري وقع النزاع بيننا؟ أنا أشك في ذلك جدا، واعتقد أنّ السبب الحقيقي وراء نزاعنا ليس الخلاف الفكري والمذهبي. فماذا ممكن أنْ يكون؟

السبب الرئيسي هو الأنظمة، والهيمنة، والمادة والسياسة. انظروا إلى التاريخ وستدركون ذلك، فإذا كان هناك نية لإعلان حرب، سيجد لها المشرعون فتوى، والمذاهب هي مجرد أداة من أجل تحريك وتحفيز الناس، ونحن اليوم نعيش ذلك، حيث يتم استخدام المذاهب من أجل تأجيج الناس وشحن المتقاتلين، وذريعة المذهب يتم استخدامها من أجل تبرير القيام بأعمال إرهابية أساءت للإسلام في كل أنحاء العالم، وتأتينا الأخبار من الهند وباكستان بتفجير المساجد، مرة مسجد للسنة، وأخرى مسجد للشيعة، والأمر في العراق أكثر سوءا، واليمن حدّث ولا حرج، وهذا الأمر مخجل.

واليوم هناك من يسعى إلى استخدام ذات الأداة من أجل الإيقاع بتركيا، لكن علينا أنْ نكون حذرين، وأنْ نقول بأنّ "كتابنا واحد، ورسولنا واحد، وقد يكون أولئك يفكرون بطريقة خاطئة، لكن هذا لا يعني سفك دمائهم وقطع رقابهم"، وهذا الخطر أصبح محدق بنا، وعلينا أنْ نبذل كل الجهود من أجل التحذير منه، والوقاية منه قبل وقوعه، وعلى الساسة تحديدا القيام بذلك، وكذلك علماء الدين، والمفكرين والمثقفين.

وعلينا أن نتوحد جميعا، وعلى إيران أنْ تكون مخلصة من أجل وحدة الأمة، وعلى السعودية كذلك، وعلى تركيا أيضا، والإخلاص والنوايا السليمة لا تكفي، وإنما يجب أنْ نكون نملك الإرادة والعزيمة والإصرار على تحقيق ذلك، وعلى الخميني وروحاني أنْ يتحركوا فورا وينتفضوا من أجل حل هذه المعضلة، وهذا الأمر ينطبق كذلك على  الملك السعودي، وعلى الطرفين أنْ لا يفكروا في "إيجابيات" النزاع القائم، لأنّ هذه "الإيجابيات" لن تفلح ولن توصلهم إلى خير، لا في الدنيا ولا في الآخرة.

وحديث اردوغان خلال القمة الإسلامية الأخيرة عن اتفاق الطرفين الإيراني والتركي بأنّ "السياسة المذهبية لن تفيد بشيء"، هو أمر إيجابي، لكني لا اعتقد أنّ مثل هذه التصريحات تحمل من الجدية والعزيمة ما يكفيها من أجل أنْ تنهي حالة النزاع والتفرق.

عن الكاتب

يوسف ضياء جومرت

كاتب في صحيفة ستار


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس