محمد عمر زيدان - خاص ترك برس

بعد خمس سنوات عجاف من عمر الثورة السورية ثبت للجميع صعوبة الحسم العسكري إن لم نقل استحالته لأسباب كثيرة، من أهمها: 1- مساندة القوات الروسية برًا وبحرًا وجوًا لطاغية دمشق. 2- ضعف الكيان الموازي الذي يدعم الثورة السورية وعدم استطاعته مجارات روسيا لا سياسيًا ولا عسكريًا، وهذا ما جعل الكثير من أحلام السوريين الذين كانوا يفضلون إزالة الأسد بطريقة عسكرية ومحاكمته كمجرم حرب تتبخر.

ففي بداية الثورة كان هناك أملاً في حسم الصراع بالكفاح المسلح لا لقوة الثوار وكثرة عدتهم وعتادهم وإنما لتسلحهم بعقيدة صافية وروح وطنية مخلصة وكان الهم الأول هو إزالة الطاغية بغض النظر عن من يحكم ومن يتحكم ولكن ما أن استشعر الأسد هذه الروح المعنوية العالية عند خصومه حتى بدأ يستجلب شُذاذ الآفاق من كل حدب وصوب وشرع يستنجد بحسن نصر اللات ورفع راية امدد يدك البيضاء إلى سورية تذكيرًا له بما قدمه والده المقبور للبنان من قتل لأهل السنة حتى يعيش وينعم أهل الشيعة، ولكن للأمانة التاريخية لم يكن حسن نصر اللات بحاجة لبطاقة دعوة من نظام الأسد حتى يأتي إلى سورية لأن الأوامر صدرت من فارس ومن ولاية الفقيه مسبقًا لتدخل نصر الله بسورية بأقصى سرعة مخافة سقوط مفاجئ للأسد وهذا السقوط سيكون له منعكسات مهمة على الساحة الشيعية العالمية، ولكن وعلى الرغم من تدخل حزب الشيطان بكل ثقله ومدعومًا من إيران علنًا إلا أنه لم يستطع التغيير من المعادلة السورية على الأرض ولو قيد أنملة وما النصر الهزيل الذي حققه بالقصير ما هو إلا نصرًا وهميًا والدليل ما أتبعه من هزائم متتالية كانت آخرها الزبداني.

وما أن شعرت إيران بأن صبيها بالمنطقة وحزبه غير قادر على تحقيق أي نصر لجأت إيران إلى تكتيك آخر بتجنيد لآلاف المرتزقة الشيعة من جنسيات مختلفة من أفغان وإيران والعراق وأذر… تحت مسميات متعددة من لواء الفاطميين إلى أبو الفضل العباس إلى عصائب أهل الحق إلى… ولكن سرعان ما خاب أمل إيران مرة أخرى وعلمت يقينًا أن هذه المرتزقة المأجورة لم ولن تستطيع الدفاع عن نظام متهالك لأنها بالأساس مليشيات متهالكة جاءت تقاتل من أجل المال ولهذا استنجد الأسد بآخر أوراق ضغطه على العالم ألا وهي ورقة الروس الذين لبوا نداء الأسد وظن هؤلاء الأوباش أنهم بترسانتهم العسكرية وقوتهم السياسية قادرون على كسر إرادة الشعب السوري ولكن هيهات هيهات، وعلى الرغم من آلاف الطلعات الجوية لم يستطع الطيران الروسي وحليفه وريث بائع الجولان تغيير معادلة الأرض وما إن أدرك الإيرانيون ذالك حتى زجوا بجيشهم - اللواء 65 - جهارًا نهارًا متحدين العالم الإسلامي والمجتمع الدولي في تهديد صارخ وصفعة قوية للعالم وجاء هذا العمل الإيراني نتيجة مخاوف ساورت أفئدة الإيرانيين أنه ربما يأتي وقت تبدل به ناتاشا سياستها بالرقص.

ناتاشا أيها السادة بائعة هوى مشهورة في روسيا كانت تتاجر بعرضها لمن يدفع أكثر هذا الاسم الذي طغى فيما بعد على كل بنات روسيا الذين يبيعون الهوى ومن ثم تعدى ذالك ليطلق على السياسة الروسية وساستها، فناتاشا اليوم لا يهما بحضن من تنام ولكن المهم من يدفع أكثر فحب المال والجاه والسلطة مقدم على الشرف والعفة والأخلاق واليوم ناتاشا الروسية بين حضن الساسة الإيرانيين والساسة السعوديين. من سيفوز بقلب ناتاشا أو من سيحسن شراء ناتاشا ؟هل هم دول الخليج - أصدقاء الشعب السوري - وعلى رأسهم السعودية أم هم حلفاء بشار وعلى رأسهم إيران.

فالسياسة الروسية كما هو معلوم لا تبحث عن حل سياسي في سوريا وإنما تريد كسب أكبر مبلغ من المال لتعوض به عجزها الاقتصادي أولًا ولتحفظ به ماء وجهها ثانيًا أمام المجتمع الدولي عامة وأمريكا خاصة، فإذا تعدت دول الخليج بدفع الفاتورة الروسية في سوريا مع بعض الامتيازات الاقتصادية فيما اعتقده بأن المعادلة السورية الأرضية سوف تتغير وسيتغير مصير الثورة السورية أيضًا ولكن بشرط أن تكون الفاتورة الخليجية أكبر من الفاتورة الفارسية، فالدولة الفارسية تعتبر حربها في سوريا حرب حياة أو موت وحرب بقاء ووجود وهنا ربما تلجأ الدولة الفارسية لأساليبها القذرة بدفع الفاتورة الروسية. وبما أن إيران تعاني من مشاكل اقتصادية كبيرة نتيجة الحصار الأمريكي عليها ومع هذا فهي قادرة على دفع الفاتورة بطريقة واحدة وهي السماح للروس باستثمار 10% من نفطها مثلًا لمدة 30 سنة مثلًا وبهذا تضمن الدولة الفارسية أمران الأول بقاء ناتاشا حليفة لها ومن ثم المحافظة ودوام التدخل العسكري في سوريا.

ولكن السؤال المهم هل يمكن لولاية الفقيه الفارسية أن تخاطر بما تبقى من اقتصادها من أجل نظام نصيري متهالك من جهة وهم على خلاف عقدي معه من جهة أخرى؟ ولهذا فحرب إيران في سوريا هي حرب تقاطع مصالح وليست دفاعًا عن نظام، فمصالح إيران هو تشييع المنطقة واستمرار تدفق الحجاج الإيرانيين على المزارات الشيعية المزعومة ونهب ثروات هذه البلاد  كما فعلت بثروات العراق عن طريق صبيها نوري الهالكي واليوم تكرر نفس السيناريو ولكن بإخراج مختلف فصبيها في سوريا وحارسها الأمين على مصالحها القومية والدينية قد ثبت ولاؤه وإخلاصه لها وما عليها إلا أن تحسن سياسة اللعب على كل الحبال لإيجاد صيغة تضمن بقاء إيران بالمنطقة. وإذا تسنى لإيران ذالك أو وجدت الضمان لمصالحها ستركل صبيها برجلها، فإيران أيها السادة لا تحارب من أجل بقاء نظام الأسد وإنما تقاتل من أجل بقاء الدولة الفارسية وإعادة أمجادها.

عن الكاتب

محمد عمر زيدان

أكاديمي سوري وأستاذ جامعي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس