كريم شاهين - بوك رايوت - ترجمة وتحرير ترك برس

بعض الناس أرواحهم طيبة. وسامر القادري هو واحد منهم.

عندما تتمشى في مكتبته ومقهاه (مكتبة ومقهى صفحات)، سترى مقدار الحب الذي وضعه في تصميمه وتزيينه لأكثر من ستة أشهر مضنية، وسينتابك الشعور بالسلام. هناك زاوية للقراءة في الخارج تحت ظلال الأشجار، كما ستجد الدفء والترحيب في الداخل. يمكنني الجلوس في زاوية لساعات أقرأ على أنغام أسطورة الطرب اللبنانية فيروز مع فنجان من القهوة. الأمر أشبه بالاستيقاظ في واقع بديل: قطعة من بلاد الشام منقولة إلى هذا الركن في إسطنبول.

هذا هو بالضبط ما كان القادري يأمل في تحقيقه من خلال "صفحات" - المكتبة العربية الأولى في المدينة التركية القديمة. حيث أراد السوريين الذين شردتهم الحرب، مثله، أن يشعروا بأنهم في الوطن.

هناك الآن 3 ملايين لاجئًا سوريًا في تركيا، سعوا إلى ملاذ آمن بعيدًا عن إراقة الدماء في سوريا التي أودت بحياة ما يقرب من نصف مليون شخص. كان القادري لاجئًا لمرتين. في عام 1982، هرب من مسقط رأسه في مدينة حماة في سوريا، عندما قلب دكتاتور سوريا في ذلك الوقت حافظ الأسد حماة رأسًا على عقب، في محاولة لقمع الانتفاضة الوجيزة. ثم بعد 8 سنوات، عبر قدري من المدينة إلى العاصمة دمشق، وشاهد الجثث الملقاة في الشوارع.

في دمشق، بعد حصوله على شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة، أسس "أصابع مشرقة" دار نشر الكتب للأطفال، التي تم تدميرها بغارة جوية في عام 2012 أثناء وجوده خارج البلاد، عقوبة له لدعمه العلني للثورة  ضد نجل حافظ الأسد، بشار الأسد.

سامر القادري، مؤسس صفحات

انتقل إلى العاصمة الأردنية عمان، ومن ثم إلى إسطنبول مع زوجته، حيث قرر تأسيس صفحات، التي أتمت عامها الأول في هذا الأسبوع.

هنا، يمكن للأطفال والمراهقين السوريين الجلوس والقراءة لساعات مجانًا، أو يمكنهم استعارة عدد غير محدود من الكتب لمدة شهر مقابل رسوم رمزية: 20 ليرة تركية (حوالي 7 دولارات).

يشعر القادري بواجبه في دعم هؤلاء الأطفال والمراهقين الذين يحاولون إيجاد مكان لهم في العالم. أخبرني القادري: "جيلنا غير راغب في التغيير". وعلى الرغم من جميع المآسي التي تتكشف في سوريا، والهروب الجماعي لشعبها، لكنه يرى جانبًا مشرقًا – يدرك السوريون الآن أن هناك عالمًا آخر خلف وطنهم، فقد خرجوا من القوقعة، والأطفال متعطشون للمعرفة أكثر من أي وقت مضى.

بينما تجاذبنا أطراف الحديث، توقفت مجموعة من الأطفال السوريين الذين يدرسون التركية في مدرسة محلية أثناء قيامهم بجولة. وقالوا إنهم يشعرون كما لو أنهم في سوريا مرة أخرى. طلب أحدهم من سامر أن يجلب المزيد من كتب علم الفلك، لأنه كان مفتونًا بالفضاء. وأخبرهم سامر: "أسسنا هذا المكان لكم، وإنه المكان الذي يمكنكم القدوم إليه دائمًا".

معظم الكتب هنا باللغة العربية، مترجمة من أنواع لا تعد ولا تحصى، من شيفرة دافنشي إلى الأدب الروسي في القرن العشرين إلى أطروحات عن التاريخ السوري وصعود الطبقة العاملة به. ويبحث السوريون الشباب في المجلدات ويجلسون لتناول القهوة مع الأصدقاء السوريين الجُدُد، وفي المساء، تجمع العروض والأفلام شخصيات الشتات.

الكتب الأكثر شعبية هي ترجمة من قواعد الحب الأربعين لإليف شفق، ومزرعة الحيوان و1984 لجورج أورويل - الدولة البوليسية البائسة وهي انعكاس لسوريا الأسد.

المجتمع الذي صنعه القادري ليس كافيًا، فقد بدأ بإنشاء دار نشر جديدة ستبدأ طباعة الروايات لأول مرة باللغة العربية من قبل الكتاب السوريين الشباب ليتم توزيعها في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وليست المكتبة ولا دار النشر مشاريع ربحية (على الرغم من أن سامر يأمل أن يدعمها الناس بشراء الكتب والتبرع).

تمشيت إلى الخارج ومعي مجموعة كبيرة من الكتب، مجموعات قصصية سورية، وتأملات في تدمير مدينة حلب القديمة، وتاريخ الطائفة الإسماعيلية الغامض، وغيرها.

مشيت بعيدًا حاملًا كتابات لسوريين شباب يأملون بغد أفضل. أغطي الحرب السورية بشكل يومي، ويمكن للكتابة اليومية عن المستشفيات المدمرة بالقصف، والناس الممزّقين إلى أشلاء، وحصار التجويع وقطع الرؤوس أن تُفقِدَكَ الثقة والإيمان في العالم.

ولكن هناك أناس يعيدون لك الثقة والإيمان. وقد أعاد سامر القادري- ثقتي وإيماني للحظة عابرة، ومشيت بعيدًا مبتسمًا إلى إسطنبول بعد موجة من الأمطار الصيفية.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس