مروة شبنم أوروتش - ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس

بعد خمس سنوات دامية في سوريا لا يزال ديكتاتور سوريا بشار الأسد في السلطة بفضل جهالة دول التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، وبفضل جميع أشكال الدعم التي يحصل عليها من إيران وروسيا وحزب الله والعراق. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل قسمت سوريا إلى عدة مناطق تخضع لسيطرة قوى مختلفة. لم يعد نظام الأسد التهديد الوحيد والأوحد في سوريا، لأنه مهد الطريق لهمجية داعش.

ونظرا لأن تركيا تشترك مع سوريا بحدود يبلغ طولها 800 كيلومتر، فقد كانت حتما من أكثر الدول تضررا وانهماكا في الحرب الأهلية الدائرة في جارتها، حيث تستضيف أكثر من 2.5 مليون لاجئ فروا من بلدهم التي مزقتها الحرب. وعلى الرغم من جميع التهديدات لم تتراجع تركيا عن سياستها الإنسانية في سوريا. كان في ذلك جمال بطولي، لكنه جاء بثمن. أدت كثير من القضايا الداخلية في تركيا إلى اضطرابات مثل اضطرابات جازي بارك 2013 ، ومحاولات الانقلاب في 17 كانون الأول/ ديسمبر و25 ديسمبر التي قام بها أنصار غولن، وأعمال العنف التي قام بها حزب العمال الكردستاني في أعقاب معركة كوباني في عام 2014 ، وكانت هذه الاضطرابات مرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بسوريا. وحيث إن سكان سوريا النازحين قد صاروا ضحية للربيع العربي، فإن تركيا التي كانت في السابق نموذجا لدول الشرق الأوسط، تحولت إلى كبش فداء لما يحدث في سوريا. صار الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي كان رئيسا للوزراء خلال السنوات الثلاث الأولى للحرب الأهلية السورية قبل انتخابه رئيسا للبلاد في عام 2014، هدفا رئيسا للقوى العالمية وللاعبين إقليميين، لأنه رفض تغيير السياسة الإنسانية تجاه سوريا، في حين ظهر في تركيا طريق سياسي جديد مناهض لأردوغان في شكل جديد من أشكال المعارضة.

ونظرا لأن المشكلة السورية بقيت بعيدة عن الحل، فقد بدأت تؤثر أيضا على علاقات تركيا مع دول أخرى. وبعد أن كان لتركيا علاقات شاملة تمتد من الغرب إلى الشرق، فقد دفعت إلى الموقف الذي أشار إليه المتحدث باسم رئيس الجمهورية بقوله "الوحدة  الثمينة" . وبتغيير الولايات المتحدة سياسيتها تجاه سوريا في عام 2013 فقد اوجدت مسافة بينها وبين أنقرة التي قاومت تغيير السياسة على عكس الدول الغربية ودول التحالف التي سرعان ما تبنت سياسات الولايات المتحدة. في الحقيقة فإن تركيا لم تخسر أصدقاء، كما قيل، ولكن الولايات المتحدة قللت من عدد أصدقائها. تحسنت العلاقات بين تركيا والمملكة العربية السعودية، والتي كانت توترت في أعقاب الانقلاب العسكري في مصر، ولم تغلق تركيا بابها أمام إيران، على الرغم من استراتيجية جارتها في الهيمنة العدوانية في المنطقة. أسقطت المقاتلات التركية الطائرة الروسية سوخوي 24 التي اخترقت المجال الجوي التركي في نوفمبر تشرين الثاني 2015، وبدأت الأزمة بين روسيا وتركيا.

وفي الوقت نفسه ونتيجة لعدم التدخل تجاوزت الصراعات الداخلية والحروب الأهلية القضية الأساسية. أخذت داعش الأسبقية من هذه المسألة الرئيسة، وصارت حافزا يؤجج رغبة حزب العمال الكردستاني- المدرج كمنظمة إرهابية مسلحة في تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي-  في تكوين دولة مستقلة. حصل حزب الاتحاد الديمقراطي، الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، على دعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على الرغم من تحذيرات أنقرة. وباكتسابه مزيدا من القوة في سوريا بدأ العمال الكردستاني في تهديد تركيا مرة أخرى منهيا عامين ونصف العام من وقف إطلاق النار في عام 2015، وبشكل أكبر في هذه المرة.

من بين الموضوعات الساخنة في الوقت الحالي ما إذا كانت تركيا تغير سياستها تجاه سوريا. في الواقع فإن أولويات أنقرة المتعلقة بسوريا قد تغيرت عدة مرات في السنوات الخمس الماضية على أساس التهديدات المتزايدة. طلبت أنقرة أولا من الأسد إجراء إصلاحات حتى أدركت أنه يتوقف أبدا عن قتل شعبه، ثم صار نظام الأسد التهديد الرئيس لتركيا في 2012-2013 ، ثم داعش في 2014، ثم حزب العمال الكردستاني في 2015-2016 . وأظهرت تصريحات أنقرة أن هذه الأولوية تتغير في كل مرة.

إن تغيير التكتيكات بسبب تغير الظروف، أو إجراء تغييرات دورية للأولوية أمر لا مفر منه في مثل هذا الصراع المعقد الطويل. ومع ذلك فإن أيا من الأولويات الثلاثة المذكورة آنفا لا يمكن أن يكون خيارا دائما لتركيا. ويبدو أن الولايات المتحدة التي وضعت هذه الألغام الثلاثة الواحدة تلو الأخرى أمام تركيا ووضعتها في متاهة، لم تتعب. ومن الواضح الآن أن أنقرة تجبر الآن على الاختيار من بين أدوات الابتزاز الثلاثة. هل تختار تركيا الأسد أو حزب العمال الكردستاني، أو أن تدور في حلقة مفرغة، أو أن تقول بلغ السيل الزبى وتأخذ المخاطرة التي تعرضها لسلسة من الهجمات التي لا سند لها مثل أنها تدعم داعش. وربما تقنع تركيا الآخرين بأناة وصبر بأنها سئمت من المخططات الإقليمية للولايات المتحدة حين وضعتها في معارك مع ثلاثة أطراف الواحد تلو الآخر. سنرى.

عن الكاتب

مروة شبنم أوروتش

كاتبة في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس