
جلال سلمي - خاص ترك برس
خيمت على تركيا في الآونة الأخيرة غيوم سوداء داكنة تكونت في سمائها نتيجة بخار العمليات الإرهابية التي استهدفت أمنها واستقرارها هنا وهناك، وما كان من المواطنين الأتراك وغيرهم إلا أن يتساءلوا عن المشكلة في نظام الأمن الداخلي بتركيا، تلك المشكلة التي حالت دون تمكن تركيا من كبح جماح العمليات الإرهابية.
"هناك الكثير من التعديلات الأمنية المتعلقة بحرس الحدود، في حين أن المشكلة الرئيسية للأمن تتعلق بجهاز الأمن الداخلي الذي يعاني بعضًا من الهشاشة الناتجة عن البيروقراطية التي تحيط بأنظمة القوات الأمنية الداخلية بتركيا"، بذلك اختصر الباحث في قضايا النزاعات المسلحة "علوي ساران" في مقاله "عوائق محيطة بالأمن الداخلي بتركيا" المنشور في موقع الجزيرة ترك، العوائق الأساسية التي تعرقل محاولات أجهزة الأمن في تركيا القضاء على العمليات الإرهابية بشكل جذري.
وأشار ساران إلى أن انهيار نظام القطبين وسيطرة العولمة على النظام العالمي جعل أنظمة الأمن الداخلي التابعة للدول حول العالم تتغير مضطرةً، لافتًا الانتباه إلى أن مهمة هذه الأجهزة لم تعد منوطة بحماية الأمن الداخلي من خلال الحدود المغلقة، بل أصبحت أجهزة مسؤولة عن حماية الأمن الداخلي من خلال مراقبة التطورات الخارجية، لأنه الحدود باختصار لم تعد فاعلة كما كانت في السابق.
واستطرد ساران موضحًا أن الأجهزة الأمنية باتت مسؤولة عن الأمن من خلال متابعة عدة مخاطر ذات ثوب دولي تنوعت ما بين الإرهاب الدولي وعدم الاستقرار السياسي والأمن وسقوط بعض الدول وتحولها إلى دول فاشلة والتغيّرات الاجتماعية الدورية والتطور التكنولوجي والإعلامي والتواصلي والأزمات الاقتصادية وما يترتب عليها. هذه التحولات كلها جعلت النظام السياسي والاقتصادي معقدًا ومحاطًا بتغيّرات سريعة تحتاج إلى إجراءات سريعة ومواكبة أسرع.
وحسب ما يورده ساران، فإن المبادئ القانونية الجديدة الحاكمة العالم تنص على الثقافة السياسية الديمقراطية وحقوق الإنسان والمدنية والشفافية والمحاسبة والمساءلة، وهذه المبادئ زادت من صعوبة مهام القوات الأمنية في توفير الأمن، ليس في تركيا فقط بل في جميع أنحاء العالم.
وتأكيدًا لنظرية ساران، فإن الكثير من الاتحادات الديمقراطية حول العالم، وخاصة الاتحاد الأوروبي، تشدد ضمن مبادئها على ضرورة الموازنة ما بين الأمن والحرية الشخصية، إذ تؤكّد على ضرورة حماية الأمن بعيدًا عن التضييق على الحقوق الشخصية، وقد ظهر مؤخرًا خلاف كبير بين تركيا والاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بذلك الخصوص، إذ طالب الاتحاد الأوروبي تركيا بتطبيق قانون الإرهاب الخاص به، مقابل رفع التأشيرة عن المواطنين الأتراك، الأمر الذي رفضته تركيا بشكل قاطع مؤكّدة أن ذلك سيحد من قدراتها على توفير الأمن بشكل كبير، لا سيما في ظل المواجهات العسكرية الشديدة التي تواجهها مع حزب العمال الكردستاني.
ووفقًا لساران، فإنه يمكن سرد العوائق التي تعرقل عمل الأجهزة الأمنية في القضاء على الخروقات الأمنية بشكل كامل على النحو الآتي:
ـ البيروقراطية: النخر الأكبر الذي تعاني منه تركيا، ومن دون القضاء عليه ستؤول الأمور إلى أخطر مما هي عليه.
ـ العولمة: رفعت الحدود وسهلت على الإرهابيين التواصل والالتقاء والتخطيط.
ـ وسائل التواصل الاجتماعي: غيزي بارك ومنظمات الدفاع عن كوباني وغيرها الكثير تجمعت وظهرت للسطح عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وغدا من الصعب جدًا مراقبة هذه التنظيمات ومنعها، وعلى صعيد آخر أصبح تجمع الإرهابيين للتخطيط لأعمالهم أمرًا سهلًا، وتشهد تركيا حاجة مُلحّة في مجال مراقبة وسائل التواصل الاجتماعي، مقارنة بالدول الأخرى.
ـ هشاشة التنسيق بين أذرع الأجهزة الأمنية: الوظائف الأساسية للأجهزة الأمنية هي تأسيس سياسة استراتيجية وتخطيط طويل الأمد لمحاربة أي خروقات ممكنة، وتتم هذه السياسة من خلال التنسيق المشترك بين أذرع الأجهزة الأمنية المتنوعة ما بين الاستخبارات وشرطة النظام وشرطة مكافحة الإرهاب والشرطة الخاصة إلخ.. ولكن عند النظر إلى الأجهزة الأمنية في تركيا نرى أن هناك انقسام جلي فيما بينها، لا سيما أن جهاز الاستخبارات مرتبط برئاسة الوزراء بشكل مباشر وليس بوزارة الداخلية، الأمر الذي يطيل من عمر وصول المعلومات الاستخباراتية إلى أجهزة وزارة الخارجية المختصة وبالتالي يعرقل عملها في القضاء على أي عمل إرهابي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!