علي نور كوتلو – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس

 

تحولات مفصلية عديدة حدثت في التاريخ، ومن هذه التحولات المفصلية ما أثرعلى الطبيعة الجغرافية. فبعد الحرب العالمية الأولى انهارت الإمبراطورية العثمانية وفقدنا أرضنا التي كانت مساحتها تصل إلى 5 ملايين متر مربع، من اليمن جنوبا وحتى جزر القرم شمالا، والى الهند شرقا وحتى البوسنة غربا كلها كانت تحت سيطرتنا. وبعد فرط المسبحة تناثرت خرزاتها الصغيرة في كل مكان.

الإمبراطورية العثمانية هي اسم مرادف للأمة الإسلامية، فلم تكن الخلافة العثمانية متعلقة بمركز إدارتها في اسطنبول فحسب، وإنما كانت مفهوما يشكل وحدة الأمة في كل أماكن تواجدها في شتى بقاع الأرض. لتحاول انجلترا بعد ذلك وعلى مدار خمسين عاما، تفتيت هذه الإمبراطورية، ونجحت في ذلك بدءا من مصر. وكانت مصر الخرزة الأولى التي أفلتت من المسبحة العثمانية، وبعد ذلك بدأت شعوب المنطقة بمحاولة إيجاد كيان خاص لهم كبديل للهوية العثمانية.

سعت انجلترا إلى تفتيت ولايات الإمبراطورية العثمانية طويلا، حاولت فصل الهند والحجاز وبلاد الشام وفلسطين وبلاد المغرب. ومنذ ذلك الحين بدأت شعوب المنطقة بإطلاق أسماء غريبة تشير إلى جزيئات من تلك المناطق. ليطلقوا مصطلح "الشرق الأوسط" على الحجاز وبلاد الشام وفلسطين. وقالوا عن بلاد المغرب العربي "شمال إفريقيا". وأطلقوا اسم "الشرق الأدنى" على الهند. وكنا عندما نسمع اسم "الحجاز الشريف" نتذكر فورا الرسول صلى الله عليه وسلم والأرض التي عاش وترعرع فيها. لكن عندما نقول "العربية السعودية" أو "الشرق الأوسط" لا نتذكر معه أي شيء.

في الحرب العالمية الأولى فقدنا أرضنا ووطننا ليتمزق وليتفتت. مزقوا شمل إخوتنا وفرقوا بينهم بحدود مصطنعة. وهكذا أفلتت كل خرزات المسبحة العثمانية العظيمة. وبدلا من أن يقولوا شمال إفريقيا، أصبحنا نسمع أسماء كتونس والجزائر وليبيا والمغرب. وبدلا من أن نسمع ببلاد الحجاز أصبحنا نسمع العربية السعودية، الأردن والكويت وقطر والإمارات العربية المتحدة واليمن. أما الشام الشريف فتحوّل إلى العراق وفلسطين وسوريا ولبنان. ثم احتل اليهود فلسطين ليطلقوا عليها اسم إسرائيل. فأصبحنا نسمي فلسطين ب"اسرائيل" والآن نقول "رام الله" و"غزة"، وهكذا تفرق شملنا وتمزقت وحدتنا وتناثرت أراضينا.

مسكوا بيدهم سكينا وبدؤوا بتقطيع الكعكة إلى أجزاء كبيرة، ثم قطعوا تلك الأجزاء إلى أجزاء أخرى أصغر منها، وهكذا أعطوا لكل جزء اسما، وهوية، وفصلوه عن الجزء الآخر، وفي بعض الأحيان جعلوه يعادي الجزء المجاور له ليبدؤوا صراعات لم تنته بعد.

في البداية غيروا أسم أرضنا، ثم غيروا اسم أصحابها، وفصلوا كل الروابط التاريخية بين اسم أرضنا وبين أصحابها، والآن يغيرون أسماء شعوبها، كنا في الماضي نقول "الأمة الإسلامية" أو "المسلمين" ، أما اليوم فأصبحنا نسمع عن "الشيعة" و"الوهابية" و"الأمة العربية" و"الأمة الكردية" و"الأمة الأجنبية".

الآن يتناقشون هل ندخل عين العرب "كوباني" أم لا ندخلها، يتناقشون حول بلدة صغيرة. ونحن كنا نتحدث عن بلاد الشام والحجاز الشريف وفلسطين وبلاد المغرب. نحن نتحدث عن مسبحة عظيمة متناثرة الخرزات، لكن هذه الخرزات جزء من هذه المسبحة ويرتبطون فيما بينهم بروابط عدة. نحن نتحدث عن عائلة عظيمة، تضم آلاف الملل والطوائف والمذاهب، وهم يتحدثون ويتناقشون عن الهوية الكردية والهوية التركية.

علينا أن نتذكر أرضنا المنسية، وأن نتذكر هوياتها وأسمائها، لنعيد التعرّف على إخوتنا من جديد، وحينذاك سترون كيف أن جميع المشاكل ستُحل بصورة أسهل مما نتصوّر.

عن الكاتب

علي نور كوتلو

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس