جلال سلمي - خاص ترك برس

تفاقمت الأزمات الضاربة للسياسة الخارجية التركية مؤخرًا. نتج عن هذه الأزمات حالة وصفها البعض بالعزلة السياسية، مما دفع الكثير من الخبراء لدعوة تركيا للاتجاه نحو سياسة واقعية متزنة تحفظها من الوقوع في العزلة الدولية التي يمكن أن توقعها في أغلال تقيدها من تحقيق مصالحها القومية.

زيارة الإمارات العربية المتحدة، وتعجيل المفاوضات مع إسرائيل، وإرسال رسالة تهنئة تحتوي نوعًا من الاعتذار لروسيا بمناسبة يومها الوطني وغيرها من المواقف حملت في ثناياها دلالة على رغبة تركية في مراجعة مسار سياستها الخارجية وإعادة تشكيلها.

وعلى صعيد متصل، يُشير الخبير السياسي "حسن يالجين" إلى أن تركيا بحاجة إلى مراجعة مسار سياستها الخارجية منذ فترة طويلة من الزمن، وأن هذه المراجعة يجب أن ينتج عنها تغيّرات وتكتيكات جذرية تنهي حالة شبه العزلة التي سقطت بها تركيا مؤخرًا.

ويطرح يالجين حلولًا يمكن أن تتبعها تركيا للرجوع إلى دورها التأثيري الفعال الذي كانت عليه قبل عدة سنوات في توصيات كما يلي:

ـ التخلي عن سياسة توسيع منطقة النفوذ السياسي، مما قد يعود بمردود اقتصادي جيد على تركيا.

ـ التخلي عن سياسة توسيع مساحة التأثير الدبلوماسي أو تركّيز الطاقة الدبلوماسية على مناطق وعناصر نشطة بدلًا من تشتيت تلك الطاقة في مناطق غير فاعلة.

ـ الاتجاه نحو التكتيكات العملية التي يمكن أن تتمخض عن نتائج إيجابية كبديل لسياسة الشعارات التي لم تعُد على تركيا بنتيجة إيجابية.

ـ اعتماد تصنيف أكثر موضوعية للدول الحليفة والمنافسة والعدوة.

وتوضيحًا للأسباب التي أدت إلى انسداد الأفق أمام الرؤية السابقة للسياسة الخارجية التركية، يبيّن يالجين في مقاله بصحيفة يني شفق "مراجعة السياسة الخارجية التركية" أن الكثير من الخطوات التي ظُنت بأنها نجاح على الصعيدين الإقليمي والدولي اتضح بأنها فشلت، والسبب في ذلك:

ـ ركون السياسة المذكورة إلى إظهار هيبة تركيا ودورها على السطح وغفلتها عن إحراز المكتسبات الملموسة، وتمخضت عن هذه السياسة مكتسبات محدودة قصيرة الأمد.

ـ سياسة توسيع النفوذ السياسي أصابت العدو والصديق معًا بالتوتر، وبدا ذلك جليًّا في الخطوات التي اتخذتها بعض الدول في الآونة الأخيرة.

ـ إغفال سياسة النفوذ السياسي النسبي التعاوني الاتحادي.

ـ ربط السياسة بالمصلحة الاقتصادية بشكل مباشر، إذ أصبحت القاعدة تنص على أنه في حال زار القائد فلان أنقرة ووقع معها اتفاقية اقتصادية واسعة فهو صديق، أما إذا زارها دون توقيع اتفاقية اقتصادية فإنه غير معني بالصداقة مع تركيا! وهذا كان أكبر سبب لفشل رؤية السياسة التركية الحالية.

وفي معرض انتقاده لهذه السياسة، يلفت يالجين الانتباه إلى أن هذه السياسة لم تنتج سوى ارتباكًا واضحًا لدى العدو والصديق، مؤكّدًا أن أسس السياسة الماضية وُضعت في إطار الاستقرار السياسي الدولي الذي وفرته الهيمنة الأحادية للولايات المتحدة الأمريكية على العالم، ولكن لم يرافق هذه السياسة خطة ب لمواجهة حالة عدم الاستقرار التي طفت للسطح نتيجة محاولة روسيا والصين خطف أضواء الهيمنة المطلقة على العالم.

ومن جهته، نقل موقع "ميديا" الإخباري اقتراحات المحلل السياسي الأمريكي غراهام فولر لتركيا في سعيها للتخلص مما تعاني منه من انسداد في السياسة الخارجية، وجاءت على النحو الآتي:

ـ الاتجاه لسياسة اتحادية مع دول الشرق الأوسط وخاصة دول الخليج.

ـ الابتعاد عن سياسة الهيمنة السياسة والاقتصادية والثقافية المطلقة والميل لسياسة الاعتدال والعقلانية المراعية لسياسات الدول الأخرى عدوة وصديقة.

ـ بذل كافة جهود لإيجاد حل وسط مشترك في سوريا بالتعاون مع الولايات الأمريكية المتحدة وروسيا والابتعاد عن "خيال" إمكانية تحقيق حل جذري لصالح قوى المعارضة خلال فترة زمنية قصيرة.

ـ بناء تعاون سياسي استراتيجي مع إيران، إذ تعتبر العنصر المنافس الأقوى لها، وبناء التعاون التوازني معها سيكفل لها سياسي مستقرة.

ـ الإبقاء على علاقتها القوية مع قطر والاستفادة من سياسة الأخيرة المتزنة.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس