عبد القادر عبد اللي - صدى الشام 

يحتفل مؤيدو النظام السوري في هذه الأيام، بما يسمونه قرب التطبيع بين أنقرة ودمشق، وتكتب صحف كثيرة ومتنوعة حول الموضوع، حتى إنه بات بالنسبة إلى كثير من المنابر مسلَّمة، فعلى ماذا تعتمد هذه “المعلومات” أو “التحليلات”؟

ثمة ثلاثة عناصر مشتركة بين الكتاب كافة، تُقدم كمعطيات على تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق. هذه العناصر هي: تطبيع أنقرة مع موسكو وتل أبيب، تصريحات منسوبة لرئيس الحكومة التركية بن علي يلضرم، ومعلومات عن تغيير الطاقم التركي الممسك بالملف السوري.

1- تطبيع أنقرة مع موسكو وتل أبيب

لقد تم التوصل إلى صيغة مبدئية لحل الخلاف القائم بين تركيا وتل أبيب قبل أكثر من ثلاثة أشهر من إسقاط الطائرة الروسية، أي أن حل الخلاف التركي الإسرائيلي كان قبل أن تخرب العلاقات بين تركيا وروسيا، ولكن هذين الموضوعين يُربطان فيما بينهما بطريقة غريبة.

بالنسبة إلى العلاقات مع روسيا، فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين أنقرة وموسكو أكثر من ثلاثين مليار دولار قبل إسقاط الطائرة الروسية، ولا يمكن لأي دولة في العالم أن تضحي بحجم تبادل تجاري كهذا. بالطبع لم يصفِّر التبادل التجاري بين البلدين، ولكنه تراجع قليلاً. ومن جهة أخرى، فإن عدد السياح القادمين من روسيا هو الرقم الثاني في ترتيب السياح القادمين إلى تركيا بعد ألمانيا، ويزيد عن أربعة ملايين سائح في العام. إضافة إلى ذلك، هناك مشاريع استراتيجية لنقل الطاقة إلى أوربا تصل عائداتها بعد الإنجاز إلى مليارات الدولارات.

بالنسبة لإسرائيل، لم يكن هناك قطيعة، والقضية تكمن بتلبية شروط تركية معينة. وقبل ثلاث سنوات، تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية لحل الخلاف التركي الإسرائيلي، وأوفت إسرائيل بالشرط الأول، ووافقت على الشرط الثاني وهو التعويضات، والمباحثات تجري حول الشرط الثالث منذ أكثر من عام، ولم يعد هناك أي ذريعة لاستمرار القطيعة. وحتى إن العلاقات التجارية بقيت مستمرة.

2- تصريحات رئيس الوزراء التركي

الملفت أن الوكالات العالمية كلها تستند إلى صحف المعارضة التركية بنشر تصريحات رئيس الحكومة، وهكذا فإن الموضوع يدعو إلى الريبة. فلرئاسة الحكومة التركية موقع رسمي، وتنشر فيه التصريحات كافة مكتوبة أو مسجلة بالصوت إذا كانت صوتية، وغالباً ما تُترجم إلى اللغات الرئيسة، فما الذي يدفع الوكالات العالمية لأخذ التصريحات المحرّفة أو المجتزأة من صحف المعارضة؟ وفي الحقيقة ليس صعباً العودة إلى التصريحات المنسوبة لرئيس الحكومة لمعرفة أنه لم يقل ما يُنسب إليه. فالتصريحات التي أدلى بها هو أو رئيس الجمهورية تقول إن الوضع السوري لن يبقى على ما هو عليه، ولا بد من أن يتغير، وحينئذ ستكون هناك علاقات مختلفة…

ولا شك أن هذه التصريحات تتحدث عن المرحلة الانتقالية، أو الشكل الذي ستتوصل إليه الولايات المتحدة وروسيا للحل الذي سيفرض على الجميع، وستكون تركيا من ضمن الجميع.

3- تغيير الطاقم الممسك بالملف السوري

الأمر الأغرب هو الإعلان عن تغيير الطاقم المستلم للملف السوري “في الخارجية التركية”. والمعروف أن المخابرات التركية هي التي تستلم الملف السوري، وليس الخارجية، وعندما يتم تغيير الطاقم في المخابرات لا يمكن أن يُعلن عنه، فهذه الأخبار أيضاً يتم تبادلها وكأنها حقيقة دامغة. أما بالنسبة لمعاون وزير الخارجية التركية الذي نقل من منصبه ليكون ممثل بلاده في الأمم المتحدة، فقد كان يقوم بدور الواجهة في هذه القضية، وقضايا أخرى.

ما ذكر أعلاه هو المشترك بين التحليلات كلها، ولكن هناك أيضاً بعض الرؤى الأخرى، منها التسريب عن اجتماع بوساطة جزائرية بين مسؤول في النظام السوري وآخر في الحكومة التركية، ويذكر بأن مبرر هذا الاجتماع هو إمكانية انتزاع موقف مناهض لحزب العمال الكردستاني، وجناحه السوري “الاتحاد الديمقراطي” من النظام السوري.

ولكن التنظيم الذي يتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسيا عسكرياً، وترسل له هذه الدول جنوداً تقاتل معه في سورية، وأسلحة متطورة، وتغطي معاركه جواً، ويلقى دعماً من بقية دول أوربا مادياً، هل يمكن أن يصغي للنظام السوري؟ وهل يمكن أن يكون لدى النظام السوري أية ورقة ضغط على حزب العمال الكردستاني؟ وهل يستطيع النظام في دمشق أن يخرب علاقته مع هذا الحزب؟ صحيح أن هناك علاقة بين حزب العمال الكردستاني وإيران، ولكن هذه الورقة تكاد تخرج من يد الإيرانيين. ويمكن القول إنها خرجت بعد أن حظي هذا الحزب بالدعم الأمريكي والغربي.

القاعدة التي تقول إن كل شيء ممكن في العلاقات الدولية، وليس هناك عداوات دائمة، بل هناك مصالح دائمة، هي قاعدة صحيحة تماماً، ولكن ما هي المصالح المشتركة بين النظام السوري والحكومة التركية الحالية؟ بمعنى آخر، إذا كان هناك تطبيع للعلاقات بين أنقرة ودمشق، فلا بد أن يكون لدى دمشق ما يمكن أن تقدمه لأنقرة، وهذا غير واضح حالياً، ولكن في الوقت نفسه أصبحت المعارضة السورية، وخاصة المسلحة منها، عبئاً ثقيلاً على تركيا نتيجة ممارساتها على الأرض، وصراعها الداخلي الذي ينشب حتى وسط المعارك، ويعطّل كثيراً من الخطط. ولم يبق لهذه المعارضة من داعمين سوى قطر والسعودية وتركيا، فإلى متى سيستمر هذا الدعم؟

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس