إمره أكوز – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس

في أعوام التسعينات تحديدا بدأت نقاشات حادة حول موضوع الأضحية في عيد الأضحى، وهذه النقاشات كانت في محلها، وتستحق الدراسة.

في كل عيد أضحى كانت المدن الكبيرة تتحول إلى بحيرة من الدماء، فالذين يضحون في الشوارع كانوا يسكبون دماء الأضحية في مياه الصرف الصحي، وهذا ما كان يصيبني بالدهشة دوما، لأن هذا الفعل غير ملائم للدين ولا حتى للأدب.

وظهرت لاحقا أصوات ضد هذه التصرفات، تنادي بحل لهذه المشكلة من خلال "التبرع بمقدار الأضحية إلى مؤسسات العمل الخيري، بدلا من التضحية".

لكن برأيي أن ذلك أيضا خطأ، لأن الأضحية واجب ديني بشكلها وهو الذبح، فالتبرع بمقدار سعر الأضحية كيف سيختلف عن أمور أخرى مثل الإنفاق أو الزكاة أو التبرع؟

وهنا بدأت البلديات بتنظيم أمور التضحية في كل عيد، ونشاهد اليوم أن ذبح الأضحية في الشوارع تقريبا قد انتهى وخصوصا في المدن الكبرى، لكنني أرى اليوم أشكالا أخرى للتضحية وهذه مسألة استغرب منها أيضا.

في الماضي كنا نشاهد شباب العائلة "مفتولي العضلات" يذبحون الأضحية ويقومون بسلخها، بينما تقوم النسوة والأطفال والشيوخ بجمع اللحم وتقطيعه ثم يقومون بتوزيعه.

بينما اليوم، تحتاج العائلات إلى لحّام يساعدها في ذبح الأضحية وسلخها، ويلقون بهذه المهمة على عاتقه من خلال الاتفاق معه قبل أيام من العيد.

وكان اللحامون يستفيدون كثيرا من جلد الحيوانات التي يضحون عليها، لكن عدد المضحين اليوم قد تناقص بشكل كبير.

فاليوم العديد من الجمعيات وعلى رأسها الهلال الأحمر ووقف المحمدي والوقف الديني وغيرها من مؤسسات العمل الخيري تضحي باسمنا!

الموضوع تحوّل إلى وكالة، نحن نرسل الأموال ولا نتدخل في أي شيء آخر متعلق بالأضحية.

في الوضع الطبيعي نقوم بتقسيم مجموع اللحم إلى ثلاثة أقسام، الأول يكون لنا، والثاني للأقارب وللجيران، والثالث نوزعه على الفقراء والمساكين.

لكن هذا قد انتهى أيضا، نحن لا نرى لحم الأضحية أبدا، بناء على أن ثقتنا مطلقة بالجمعيات الخيرية على أنها ترسلها جميعا إلى الفقراء.

أصبحت الأضحية رمزا خلافا لمعناها الحقيقي

بكل تأكيد ما زال هناك العديد من العائلات التركية تضحي، وحتى ما زال هناك عائلات لا تعطي الأضحية للحّام وإنما تضحي بنفسها.

لكن وكما قلت اليوم نرى ازدياد "الذبح الرمزي" في عيد الأضحى المبارك. وهنا أصبحنا لا نشعر بحقيقة "الأضحية" ومعانيها الحقيقية.

هل ضحيت؟ نعم ضحيت، لكننا في الواقع لا نرى أضحية ولا ذبحا ولا لحما ولا تقطيعا ولا توزيعا لأي شيء من الأضحية.

ربما يعتقد البعض أن ذلك أفضل، فملايين الأضاحي يُضحّى بها يوم العيد، وإعطاء لحمها جميعا للفقراء قد يكون تصرفا إيجابيا وعاقلا.

فاليوم يوجد في دولتنا مليون ونصف المليون لاجئ وهارب من ظلم الأسد وداعش على حد سواء، هؤلاء بحاجة إلى الغذاء والى اللحم، فليأكلوا هم.

وعند الحديث عن داعش نتذكر هنا كيف كانوا يذبحون الناس كالنعاج، لم يفرقوا بين شيعي ولا سني ولا يزيدي ولا مسيحي، وهذا التصرف كان يصيبنا بالدهشة والاشمئزاز، وكان يحرق قلوبنا ويصيبنا بالهلع والرعب.

وهذا الشعور القوي سببه ازدياد أعداد الذين لا يضحون في العيد بأنفسهم، فنحن اليوم أصبحنا لا نجرئ على ذبح أضحية بأنفسنا ونترك الأمر للحّام، وهم –أي داعش- يذبحون بشرا مثلنا مثلهم، انظروا إلى ذلك التناقض الشديد.

لكن على المتبرعين أن يدركوا مجددا أننا أصبحنا "لا نضحي" بالمعنى الحقيقي.

عن الكاتب

إمره أكوز

كاتب في جريدة صباح


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس