ماهر حجازي - خاص ترك برس

لا شك أن الساعات الأولى لعملية الانقلاب الفاشلة في تركيا ستبقى عالقة في أذهان وقلوب أبناء الجاليات العربية، خاصة تلك التي أعلن فيها الانقلابيون السيطرة على مقاليد الحكم في تركيا، من خلال بيانهم الذي أذاعوه على قناة تي ري تي الحكومية التي تمكنوا من احتلالها لساعات.

لحظات عصيبة عاشها كل مقيم ولاجئ في هذه الدولة التي احتضنت ألوانا مختلفة من الشعوب العربية المستضعفة والتي وجدت في تركيا ملاذا أمانا لتقضي ما بقي لها من حياة، وتمارس دورها الوطني المدافع عن الإنسان العربي.

"أخماس بأسداس" وأفكار تتصارع في أدمغة الجاليات العربية في حال سقوط الدولة التركية، ما مصيرهم هل ستبقى تركيا ما قبل الانقلاب كما بعده، إلى إين هذه المرة سيهاجرون، ومن لا يستطيع أن يهاجر ماذا سيحدث له.

حرب ضروس وسجالات تعم مواقع التواصل الاجتماعي ومجموعات الواتس أب للجاليات العربية، الجميع يبحث عن الأخبار والمستجدات، ويمنون النفس بأخبار من هنا أو هناك تتحدث عن فشل الانقلاب.

اتصالات مكثفة ورسائل من دول عديدة للمقيمين في تركيا يبحثون عن إجابات حددوها سلفا بفشل الانقلاب، كل يريد الاطمئنان على مستقبل أوطانهم من بوابة الحاضر التركي.

لم يغمض لهم جفن اجتمعوا على شاشات التلفاز الكبار والصغار يتنقلون بين الفضائيات يبحثون عن خبر وحيد عنوانه نهاية الانقلاب، ومنهم من دأب على القيام والدعاء أن يخرج الله تركيا بسلام.

الشريحة الأكثر اضطرابا كانت هؤلاء اللاجئين الفلسطينيين والسوريين الذين فتحت تركيا ذراعيها لهم، ورغم وضعهم الصعب واحتياجاتهم الكبيرة في تركيا، إلا أنهم وعلى مبدأ "الرمد ولا العمى"، فكثير من الدول العربية والأوروبية ترفض استقبالهم.

وبعد أن انجلى غبار المعركة واندحر الانقلاب، كانت الجاليات العربية في تركيا الأشد ابتهاجا وربما فاق ذلك فرحة الأتراك نفسهم، فطالما عاشت هذه الجاليات تشردا عن أوطانها وليس بمقدورها احتمال المزيد من أعباء الغربة.

اندفع العرب إلى ساحات إسطنبول وأنقرة وغيرها من المدن، يشاركون أقرانهم الأتراك احتفالاتهم بالنصر، من أبناء فلسطين وسورية والعراق ومصر واليمن وغيرهم، يدفعهم الوفاء لتركيا وشعبها المضياف.

حملة تبرع بالدم أعلنها أبناء فلسطين في تركيا، يقدمون دماءهم لأشقائهم الأتراك الجرحى في إسطنبول، يدفعون بذلك جزءا من الدماء التركية الزكية التي سالت على شواطئ غزة المحاصرة في سفينة مافي مرمرة.

أيضا هناك في قطاع غزة عمت المسيرات الداعمة للشعب التركي في وجه الانقلاب، وذلك شكرا وعرفانا لما قدمته تركيا ولا زالت على صعيد المساعدات الإنسانية ومحاولات كسر الحصار الصهيوني الظالم عن شعب القطاع.

جميع الجاليات العربية في تركيا تدرك أن الدعم والاحتضان الحاصل لها اليوم في تركيا، لن تجده في حال نجاح الانقلاب، ومن هذا المنطلق كان الخوف والترقب سيد الموقف لهم حتى صباح يوم السبت أول يوم من الانقلاب، حيث بدأت الغيوم تنقشع عن خفايا الأحداث والنقاط وضعت على الحروف والتي جعلت الطمأنينة تتسرب إلى أفئدة الجاليات العربية.

أيضا اللجنة التحضيرية لمؤتمر فلسطينيي تركيا وقضايا الوطن أعلنت تضامنها مع تركيا وتأجيل المؤتمر الذي كان من المقرر عقده يوم الأحد الماضي 17-7، حيث أكدت اللجنة أنها تتضامن مع الشعب التركي فيما يواجهه متمنين له السلامة من كل سوء.

تركيا اليوم تشكل حاضنة للمستضعفين في الأرض من كل حدب وصوب، ولابد أن دورها الإنساني في احتضان هذه الشريحة المعذبة في أوطانها ودفاعها عن القضايا العادلة في المنطقة من فلسطين وسورية، جعلها هدفا لأعداء الإنسانية، ومن المؤكد أن تركيا ستخرج من هذه الأزمة أقوى من ذي قبل ولابد أن تكون للجاليات العربية استحقاقات أكثر في المرحلة القادمة في تركيا.

عن الكاتب

ماهر حجازي

إعلامي فلسطيني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس