ماهر حجازي - خاص ترك برس

المتابع للتغريدات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حول اتهامات وزير الداخلية المصري مجدي عبدالغفار لحركة حماس باغتيال النائب العام هشام بركات، لا تفوته تلك الساخرة التي دعا فيها مغرد مصري إلى تسريح جيش بلاده وأجهزة المخابرات والتعاقد مع حماس لحفظ الأمن في وطنهم، كونها قادرة على عبور الأسوار ودخول مصر والاستقرار فيها واغتيال النائب العام والعودة إلى قطاع غزة بسلام وهنا الحديث لذات المغرد.

وصولا إلى ذلك الفرنسي المغرد على طريقته الخاصة في محطة للمترو بباريس، يجمع التبرعات شاديا بصوته الأجش أمام الفرنسيين المنهكين من الضحك، يجمع المال في مشهد ساخر ملبيا بذلك دعوة قائد الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي بالتبرع لمصر ضمن حملة "صبح على مصر"، هذه الدعوة التي قوبلت بالاستهزاء أيضا.

اليوم لا بد من أسباب عدة لهذا الاتهام الجديد لحركة حماس من قبل سلطة الانقلاب في مصر، مع أن المواجهة بين حماس ونظام السيسي لم تقف عند اتهام حماس باغتيال النائب العام، بل سبقتها سلسلة من الاتهامات لحماس فيما يتعلق بملف سيناء والأنفاق.

نظام السيسي يسعى جاهدا لصبغ حماس بالإرهاب، الأمر الذي عجز عنه سابقا، وهنا نربط بين هذه الاتهامات وقرار مجلس التعاون الخليجي ووزراء الداخلية العرب باعتبار حزب الله اللبناني منظمة ارهابية، حيث يعتقد النظام المصري أن البيئة العربية ملائمة في هذا التوقيت لتحقيق مطامعه تجاه حماس.

لذا يسعى النظام المصري إلى خلق حالة عربية مماثلة تجاه حركة حماس واعتبارها منظمة ارهابية مستغلا الأحداث الداخلية المصرية والاغتيالات والفشل الأمني لأجهزة مخابراته في تحقيق الأمن والاستقرار وإقناع الشارع المصري بأن نظام السيسي هو المنجي من الوضع الاقتصادي المتردي في البلاد، كل ذلك في ظل انخفاض نسبة تعاطي وسائل الاعلام المصرية مع هذه الاتهامات الساذجة، والتي تأتي بعد بيانات كثيرة حول المتهمين في اغتيال النائب العام ومنهم عسكري سابق في الجيش المصري.

بالتالي يسعى النظام المصري إلى تصفية حساباته مع حركة حماس وذلك خدمة مجانية للاحتلال الصهيوني، بالمقابل فشل في تسويق روايته مع الكثير من فئات الشعب المصري.
هنا لا تجوز المقارنة بين حماس وحزب الله، حماس التي لا تزال تقارع الاحتلال الصهيوني قولا وفعلا، كما أنها بعيدة عن الأزمات الداخلية للدول العربية وتربطها علاقات على مسافة واحدة من الجميع ولا تستعدي أحدا، والإشكال مع مصر بالدرجة الأولى نابع من مسألة الحدود المصرية مع قطاع غزة وملف الحصار ومعبر رفح وهدم الأنفاق، والعلاقة المصرية الإسرائيلية.

بينما حزب الله تدخل بشكل واضح وباعتراف رسمي منه في الأزمة السورية واليمنية والعراق وكذلك المواجهة العلنية مع دول الخليج العربي والسعودية خاصة أدت إلى هذا القرار.
بالتالي النظام المصري لن يتمكن من خلق الحالة العربية التي يمكن أن تصف حماس بالإرهاب على الأقل في هذه المرحلة، كونها على مسافة واحدة من الجميع وتربطها علاقات طيبة مع الدول والشعوب العربية والإسلامية، التي تعد حماس رأس حربة المقاومة لأهل السنة في ظل الحديث عن الطائفية بالأزمات العربية الحالية.

أيضا تجري محاولات حثيثة في هذه المرحلة للزج بحماس في أتون القرار العربي ضد حزب الله، حماس آثرت الصمت وعدم التعليق على القرار في موقف مدروس يبعد الحركة عن الوقوع في الانتقادات العربية الرسمية والشعبية خاصة، كما حدث في قضايا سابقة ذات صلة بالعلاقة مع ايران وحزب الله، بالتالي لا مصلحة لحماس بأن تحسب إلى صف حزب الله، كل ذلك بخلاف التصريحات المنددة بالقرار للفصائل الفلسطينية وخاصة الجهاد الإسلامي.

أطراف عديدة سعت إلى وضع حماس في دائرة القرار ضد حزب الله، دولة الامارات التي تربطها علاقات غير جيدة بحماس، سعى المغردون الاماراتيون من اللحظة الأولى للقرار الى اعتبار حماس منظمة ارهابية، كما أن لحزب الله مصلحة في أن يشرك حماس في هذه القرار كي لا يبقى وحيدا، لإدراكه بأن حماس صمام أمان لما تتمتع به من شعبية عربية وإسلامية.

كذلك سعت بعض وسائل الإعلام الخليجية ومنها صحيفة كويتية إلى الحديث عن موقف حماس من هذا القرار، وفبركة الأخبار على لسان رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، بالتالي هي محاولة لإحراج حماس وإجبارها على الادلاء بدلوها في هذا المقام.

بالعودة إلى الاتهامات المصرية لا بد من الانحناء قليلا تجاه تصريحات قيادات من حركة فتح، التي تؤكد دعمهم للنظام المصري في أية خطوات ضد قطاع غزة، بمعنى تأييد فتح لاستمرار الحصار وتدمير الانفاق التي تعين أهالي غزة واغلاق معبر رفح، هنا فتح تريد تصدير أزماتها في الضفة وأخرها إضراب المعلمين الذي يشكل كابوسا للسلطة، كذلك حرف الأنظار عن جريمة اغتيال عمر النايف في سفارة السلطة ببلغاريا وإنهاء هذا الملف الذي تعتبر فيه السلطة شريكة في هذه الجريمة، وهي محاولات للاصطياد في الماء العكر، ولا تنم عن وطنية فلسطينية، كما قالها يوما قيادي مؤسس في حركة فتح للشيخ عبد الله عزام عند سؤال الشيخ عن دين فتح، فأجابه: "فتح لا دين لها"، وهي قاعدة أساسية في تعامل السلطة وحركة فتح مع القضية الفلسطينية.

اليوم حماس في موقف لا تحسد عليه، هي فعلا على صفيح سياسي ساخن، تسعى جميع الأطراف إلى جر حماس كل إلى مربعه، بالتالي حماس مدعوة إلى تقييم علاقاتها جيدا وتغليب مصالح الشعب الفلسطيني ومقاومته وتحديد مساراتها وخياراتها في هذه المرحلة الراهنة، والتفكير مليا في تحديد الصديق من المتآمر، واتخاذ الموقف الواضح من الأزمات في المنطقة وما يدور في فلكها، وما هذا الاستهداف للحركة عربيا وفلسطينيا إلا دليل على نجاعة سياسة الحركة وتمسكها بالمقاومة ضد الاحتلال الصهيوني، لذا تسعى هذه المحاولات إلى حرف الحركة عن بوصلتها الحقيقية المتمثلة بالمقاومة، وتشويه تاريخ حماس الجهادي في فلسطين.

عن الكاتب

ماهر حجازي

إعلامي فلسطيني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس