ماهر حجازي - خاص ترك برس 

مضت الساعات الأولى للانقلاب الفاشل في تركيا، دون أن يفصح الاحتلال الاسرائيلي عن موقفه سواء المعلن أو المبطن تجاه ما يجري في هذه الدولة التي عقد معها قبل أيام اتفاقا لتطبيع العلاقات بعد ست سنوات من القطيعة على خلفية المجزرة الاسرائيلية بحق سفينة مافي مرمرة التركية.

ومع ظهور النتائج ونجاح الجمهورية التركية حكومة وشعبا في وضع حد لهذا الانقلاب وإفشاله، تناول الإعلام الإسرائيلي هذا الحدث التركي من منظور واحد تجلت به الرغبة الإسرائيلية في إسقاط الرئيس أردوغان على الرغم من تطبيع العلاقات الإسرائيلية التركية.

صحيفة (إسرائيل اليوم) المقربة من الحكومة الإسرائيلية بررت فشل الانقلاب بأن " الضباط الذين نفذوا محاولة الانقلاب لم ينجحوا في حشد المعارضين الكثر لـ أردوغان لمساعدتهم في الإطاحة بالحكومة التركية"، يأتي كلام الصحيفة مقارنة مع الحشود الشعبية الكبيرة التي لبت دعوة الرئيس التركي بالنزول إلى الشارع وأفشلت الانقلاب.

هذه الصحيفة تمني النفس بإسقاط الحكومة التركية من خلال ما كتبه المحلل الإسرائيلي "دان مرغليت" الذي وصف الرئيس أردوغان بالشخصية المعادية لإسرائيل منذ حادثة مافي مرمرة 2010، وكم تمنى أن يسقط أردوغان في هذا الانقلاب، في دلالة على عدم قناعة الإسرائيليين عموما في اتفاق إعادة العلاقات مع تركيا، والذي يقابله أيضا نفس القناعة لدى أكثرية الشعب التركي، ليأتي الاتفاق من باب المصلحة المتبادلة دون رغبة حقيقية للطرفين بذلك.

ولم يخفي المحلل الإسرائيلي أن حماستهم ستكون أكبر ورغبتهم أشد بسقوط تركيا لو أن الانقلاب كان قبل تطبيع العلاقات التركية الإسرائيلية، وكذلك لم يكن لدى الإسرائيليين معرفة بهوية الضباط المنقلبين وبتوجهاتهم ونظرتهم لـ "إسرائيل" ولاتفاق التطبيع.

" لا أحد في حكومة إسرائيل كان سيذرف دمعة واحدة لو أن أردوغان وجد نفسه فجر السبت في المعتقل بدلا من الاحتفال مع مؤيديه في مطار إسطنبول بالقضاء على التمرد"، خلاصة القول للصحفي الإسرائيلي باراك رافيد الذي لم ينسى أن كيانه في علاقات تطبيعية مع تركيا، وأن كلامه يعكس وجهة النظر الإسرائيلية التي ترى في التطبيع اجبارا لا اختيارا.

" الانقلاب التركي مسرحية هزلية قادها ضباط نكرة وأردوغان أصبح سلطانا"، بصريح العبارة ما قالته صحيفة يديعوت أحرنوت في عددها الصادر يوم الثلاثاء 19/7، لتعكس وجهة النظر الإسرائيلية والرغبة الحقيقة في الإطاحة بنظام الحكم في تركيا، والخشية من تركيا القادمة في عهد السلطان أردوغان وعلى مستقبل اتفاق التطبيع الثنائي. كذلك وصل الأمر إلى أن المحللين العسكريين الإسرائيليين انهمكوا في دراسة وتوصيف أسباب فشل الانقلاب عسكريا بصرف النظر عن مسببات النجاح في دحر الانقلاب، حيث أشاروا أن هؤلاء الضباط لا توجد لهم قواعد شعبية وغير معروفين ولا يستطيعون تحريك الشارع التركي معهم، في دلالة واضحة حول رغبة "إسرائيل" العارمة بإسقاط حكومة العدالة والتنمية.

في منحى أخر تحدثت وسائل اعلام إسرائيلية عن دور إيراني في إفشال الانقلاب في تركيا، وأن الرجل الذي تصدى للانقلاب رئيس المخابرات التركية "هاكان فيدان" هو من المقربين للمخابرات الإيرانية على حد زعم الإعلام الإسرائيلي، من المؤكد هي محاولة إسرائيلية لخلط الأوراق ومن باب السذاجة السياسية والجميع يدرك طبيعة العلاقات التركية الإيرانية خاصة فيما يتعلق بالملف السوري، وأن "إسرائيل" تسعى إلى أن تظهر للعالم أن تمكن الحكومة التركية من افشال الانقلاب لم يكن لولا التدخل الخارجي، في حين أن النجاح التركي كان داخليا بامتياز معتمدا على الشعب الذي قال كلمته في الميدان، علاوة على أنه من مصلحة ايران الإطاحة بالنظام التركي لان ذلك سيحقق تقدما في الملف السوري كما تحب ايران.

ندرك تماما أن تركيا تعيش أزمات داخلية وأخرى مع دول الجوار وكذلك مع المجتمع الدولي، لذا جاء اتفاق التطبيع مع "إسرائيل" بعد ست سنوات من السجال بينهما على خلفية احتضان تركيا للقضية الفلسطينية ودعم الشعب الفلسطيني، ومن باب سد ثغرة في جدار الأزمة التركية الخارجية والانشغال بالشؤون الداخلية، كذلك الجانب الإسرائيلي يعتبر أعادة العلاقات مع تركية فرصة لوقف الدعم التركي لفلسطين والتضييق عليها فيما يتعلق بحركة حماس ووجودها على الأراضي التركية. كذلك المتابع لمجريات الانقلاب يدرك أن أطرافا خارجية دولية لها بصمة في التخطيط والدعم للعناصر الانقلابية ولا يستبعد الدور الإسرائيلي في هذا، لكن حركة الشعب التركي واندفاعه للميادين أفشل الانقلاب، ولهذا السبب نرى تباين في المواقف الأولية حول الانقلاب والتي تغيرت سرعان مع أعلن عن افشال الانقلاب والتي جاءت مؤكدة على شرعية الحكومة التركية، حيث كانت أطراف عديدة تنتظر أن تهنئ بالانقلاب.

بالتالي فإن "إسرائيل" تفضل أن يكون اتفاق التطبيع بدون أردوغان لأنها تدرك تماما صعوبة التلاعب في بنود الاتفاق خاصة المتعلقة بحصار غزة، في ذات الوقت تخشى من الطرف البديل للحكومة التركية في حال نجاح الانقلاب، إذا فالهم الإسرائيلي اليوم يتركز في استمرارية تطبيع العلاقات مع تركية بغض النظر عن القيادة التركية المنتصرة، مع تمنياتها بالإطاحة بالرئيس رجب طيب أردوغان في الانقلاب الفاشل. 

عن الكاتب

ماهر حجازي

إعلامي فلسطيني


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس