جلال سلمي - خاص ترك برس

أثارت نتائج المفاوضات التركية "الإسرائيلية" نوعًا من الامتعاض البيّن لدى المواطنين الغزيين الذين اعتبروه غير متناسق مع حجم آمالهم التي عولوا بها على المفاوضات التي جرت بين الطرفين.

في حقيقة الأمر، امتعاض الغزيين أمر حقيقي لا يمكن نفيه في ظل تأمل المواطنين الغزيين أن ينتج عن المفاوضات التركية "الإسرائيلية" رفع كامل للحصار الخانق المفروض عليهم منذ عشر سنوات، ولكن عند النظر إلى نتائج اتفاق التطبيع الذي تم إبرامه بين الطرفين نجد أن "إسرائيل" سمحت لتركيا فقط بمد قطاع غزة بالمساعدات العاجلة عن طريق ميناء أسدود.

يحق للغزيين التعبير عن عدم رضاهم بنتائج الاتفاق ولكن بعد هدوء حمية الغزيين أود منهم التأمل في تساؤل مقالي الذي يقول "هل وضعت اللمسات الأخيرة للاتفاق التركي "الإسرائيلي" أم أن للحديث بقية؟".

ما أتصوره هو أن هناك بقايا عدة وليس بقية واحدة للحديث المتعلق بنتائج الاتفاق التركي "الإسرائيلي"، وأعتقد أن تركيا لم تضع اللمسات الأخيرة للاتفاق بينها وبين "إسرائيل" وإن كان الطرفان قد أعلنا توصلهما إلى توقيع اتفاق مشترك.

أبني تصوري على تحليل اقتصادي سياسي يقضي بأن تركيا تلمس بناء اللبنة الأولى للاتفاق مع "إسرائيل" فيما يتعلق بمشروع مد غازها الطبيعي إلى أوروبا، وبعد بناء المشروع المذكور تصبح أحجية تركيا في الضغط على "إسرائيل" أقوى، فيتسنى لها الضغط على "إسرائيل" ليس لرفع الحصار فقط بل لتأمين كافة حوائج قطاع غزة من تنمية وتطوير.

أعني بالطرح أعلاه بأن تركيا تهدف إلى ربط "إسرائيل" بعرى اقتصادية وثيقة عبر مشروعي استخراج الغاز الطبيعي الواقع في حوض شرق البحر المتوسط ونقله إلى أوروبا، وبعد تحقيق الهدف أعلاه تسعى للإملاء عليها بعض التغييرات السياسية المتعلقة بالفلسطينيين، فالورقة الاقتصادية التي تسعى لحيازتها عبر الاتفاق الذي أقيمه على أنه اتفاق "مبدئي"، ستساهم بشكل أو بآخر في تمكين الغزيين والفلسطينيين الحصول على العديد من الحقوق السياسية والاقتصادية التنموية الجديدة.

ليس مديحًا أو تزلفًا لتركيا ولكنها بحكومتها ومنظماتها الاجتماعية وجمعياتها أظهرت ثقلًا واضحًا في مجال المساعدات الإنسانية العاجلة والتنموية، فمنظمة الإغاثة الإنسانية وجمعية الهلال الأحمر ووكالة التنسيق والتعاون التركية "تيكا" وغيرهم من الجمعيات والمنظمات يعملون على قدم وساق من أجل الأخذ بيد ليس الغزيين وحدهم بل الفلسطينيين أجمع نحو مستوى اقتصادي واجتماعي أفضل.

والدليل على نحو تركيا هذا النمط من أجل تقوّية ساعدها الاقتصادي؛ المشاريع الاقتصادية العملاقة التي أتمتها مع روسيا الاتحادية منذ عام 1997 وحتى يومنا هذا، حيث احتلت تركيا المرتبة الثانية على صعيد الدول الأكثر استيرادًا للغاز الروسي ومنحت تركيا فرصة نقل غازها الطبيعي عبر أوروبا عبر مشروعي السيل الأزرق والسيل التركي "الذي لم يتم بعد ولكنه ما زال مطروحًا على الطاولة". هذا الترابط الاقتصادي زاد من قوّة تركيا السياسية أمام روسيا، وإن لم تتمكن تركيا من تنحية روسيا عن أهدافها في سوريا، فإنها تمكنت من منع روسيا من التمادي في عقوباتها الاقتصادية ضدها إلى أن اضطرت القبول بالتصالح معها من جديد عبر بدء اللقاءات الدبلوماسية خلال الأيام الحالية.

ستصبح "إسرائيل" روسيا، حيث ستتجه، بعد إتمام الاتفاق مع تركيا، إلى عدم تضخيم الخلاف مع تركيا، للحفاظ على مصالحها الاقتصادية مستمرة في مسارها الصحيح.

مؤشرات هذا التحليل ستظهر على المدى القريب من العلاقات التركية الإسرائيلية، وستحتاج بعض الصبر من الغزيين، وكمواطن غزي كل ما أتمناه هو الخير لأهلي ووطني أولًا وأخيرًا.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس