د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس

شهدت تركيا انقلابا عسكريا كان مفاجئا للكثيرين من حيث التوقيت والشدة والاتساع، فاجأ الجميع من السياسيين والمحلليين والمتابعين رغم كل ما كان يجري بتركيا من تحولات  وتغيرات وتقلبات على كل المستوات من تغيير للقيادة وتحول سريع ومفاجئ في السياسة الخارجية.

فشل الانقلاب العسكري لا يعني بأي شكل من الأشكال ضعفه وقلة المشاركين به، ويجب أن لا يعني أيضًا الاستهانة به والاستخفاف به أو التقليل منه ومن قدرته التدميرية.

فقد بدأت الدلائل والخيوط تتضح وتنجلي لتدلل على خبث الخطط المحكمة وعن ضخامة حجم المشاركين من الجنرالات والرتب العالية والتغلل لأهم المناطق الحساسة التي تحيط بقمة الهرم الرئاسي والعسكري.

استطاع الانقلابيون تجنيد كثير من الرتب العسكرية العالية والقيادية ومن كل المستويات ومن كل المدن والقطاعات العسكرية البرية والجوية والبحرية.

واستطاعوا تحريك قوات عسكرية من كثير من كل القطاعات والقواعد والمطارات.

احتجاز قائد الاركان وشل حركته، والاستيلاء على قاعدة أكنجي التي يتواجد بها مايقارب 60 طائرة حربية، والأهم منه القدرة على  تأمين التزويد بالوقود من طائرة حربية تقبع في أهم قاعدة جوية كل الانظار متجهة نحوها في هذه الأيام، وهي قاعدة انجيرليك في مدينة اضنة، هي مؤشرات واضحة وكافية لفهم خطورة هذا الانقلاب وحجم هذا التحرك.

اقلاع 6 طائرات حربية من مدينة دياربكر البعيدة عن أنقرة وإسطنبول دليل آخر على قوة الانقلاب والتخطيط المحكم له وانتشاره حتى للمدن البعيدة عن مركز الحدث أنقرة وإسطنبول.

وجود الأنقلابيين في قصر الرئاسة التركية واطلاعهم على كل تحركات رئيس الجمهورية، وكونهم هم المسؤولين عن حمايته وتحركاته ومطلعين على برنامجه اليومي وزياراته واجتماعاته، لأهو أكبر دليل على تغلغلهم لأماكن حساسة وقاتلة ولا تقبل الخطأ ولا المجازفة ولا التهاون. هذه الامكان التي يجب أن يكون التواجد بها لأشخاص لا يُشَكُ ولو واحد بالمليار بولائهم واخلاصهم ونظافة سجلهم وارتباطاتهم.

ضابط الحماية للقصر الجمهوري ومدير مكتب رئيس الأركان هم من ضمن هؤلاء الانقلابيين...

لكم أن تتصوروا لو أن ضابط الحماية لرئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان استطاع الحصول على إحداثيات رحلة رئيس الجمهورية من مرمريس لإسطنبول...!!؟ تلك الإحداثيات التي لم تصله في اللحظة الحاسمة بسبب عدم استجابه المرافقة والحماية لهذا الطلب...

ماذا لو استطاع إيصال هذه الإحداثيات قبل نصف ساعة من إقلاع طائرة أردوغان لإسطنبول...!!؟؟

وماذا لو علمت طائرات أف 16 التي كانت تجوب سماء إسطنبول وتخترق حاجز الصوت، ماذا لو علمت بحقيقة الطائرة قبل نزولها لإسطنبول...!!؟

وماذا لو استطاع الانقلابيون إجبار رئيس الأركان على قراء بيان الانقلاب والتوقيع عليه في اللحظات الأولى من مساء الخامس عشر من هذا الشهر...!!؟؟

وماذا لو استطاعوا منذ البداية الاستيلاء على محطة الارسال ترك سات واستطاعوا قطع كل شبكات التواصل والمحطات والهواتف...!!؟؟

وماذا وماذا...؟

يمكن الاسترسال بهما بدون نهاية...

وكل "ماذا" من هذه لو تحققت واحدة منهن لكانت العوائقب وخيمة ووخيمة جدا...

وكل هذه "الماذا" تفتح اسئلة كبيرة وكثيرة جدا، يجب الوقوف عندها كثيرا... والإجابة على كل "ماذا لو".

وخاصة عندما يكون العدالة والتنمية يحكم البلاد منذ أكثر من عقد من الزمن ويدرك أنه محارب وله أعداء كثر وأن محاولات الاطاحة به لن تتوقف يوما من الأيام...

كيف ولماذا...؟؟

وأظن هذا ما تقوم به الحكومة وتفعله وما ستفعله لاحقا وتقف عنده كثيرا...

إذا ورغم كل هذه الخطط وكل هذا الدعم والتغلغل والرتب لماذا وكيف فشل الانقلاب...؟؟

كثيرة هي أيضًا العوامل التي ساعدت على فشل الانقلاب، وكل عامل منها كان حاسما أيضا، وغًير توجه ابرة المعركة وبوصبتها وتحولها لصالح الشعب وضد الانقلاب...

مما لا شك فيه أنه هناك لطف رباني يفوق كل التصورات التي يمكن أن تخطر ببال الماديين ومن يقيس الأمور فقط بالأسباب والماديات والمرئيات...

بداية يجب التذكير أن عهد تقبل الانقلابات بسهولة من قبل الشعوب التي اعتادت الحرية واستنشقت نسمات الديمقراطية ومارست حقوقها الانتخابية قد ولى وانقضى ولم يكن لها لتقبل حكم العسكر الذي لا تزال ذاكرة الكبار تحمل صورة سوداء له...

كما أن مبررات الانقلابات من فقدان للأمن وتدهور للاقتصاد وفراغ سياسي وعجز عن تشكيل حكومة وغيرها من المسوغات التي كانت تسبق الانقلابات سابقا لم تكن موجودة هذه المرة...

رغم توزع الانقلابيون في كثير من المدن والمؤسسات العسكرية والمدنية والقطاعات لكنهم ظلوا منحصرين ضمن شريحة تنتني للكيان الموازي والقوى التي تعادي حكومة العدالة والتنمية وحكم الرئيس أردوغان، ولم تشارك كل القطاعات والثكنات ولم ينخرط قادة الجيوش والاركان لهذا الانقلاب، فكان انقلابا على الشرعية وانقلابا على الجيش نفسه.

تغيير توقيت الانقلاب من الثالثة صباحا من يوم السبت بعد اكتشاف مخططهم لمساء الجمعة كان بمثابة تضعضع الخطة وانهيارها قبل أن بدايتها...

تدارك الأمر من قبل جهاز الاستخبارات والقطع العسكرية التي لم تقبل بالانقلاب رغم انقطاع سلسلة الأوامر والتخابر وغياب قائد الأركان وفعالية القوات الخاصة والبوليس التركي كان لهم العامل الأكبر في أحباط هذا الانقلاب الفاشل.

لكن أهم عنصرين وعاملين في إسقاط الانقلاب هما نزول الشعب التركي مبكرًا، بكل أطيافه للشوارع والميادين للدفاع عن حريتهم وبلدهم وعلمهم وديمقراطيتهم وحقوقهم المدنية، هذه الوقفة التي شارع بها الجميع من أحزاب المعارضة ومؤسسات المجتمع المدني والقنوات الاعلامية...

والعنصر الأهم طبعا هو قائد هذه البلاد الذي كان قراره حاسما في اللحظة الحرجة الحاسمة ايضا وبدون أي تردد  حيث طلب من الشعب النزول للميدان للحفاظ على مكتسباتهم وقرر ورغم كل المخاطر التواجد بينهم وهذا مالم يفعله أحد من القادة من قبله بهذه السرعة والقوة.

وعندما يقود القائد في الميدان والمقدمة يكون الشعب  معه ورهن إشارته...

كيف ولماذا..؟؟

على الجميع التمعن بهما والوقوف عندهما والاستفادة من السلبيات والايجابيات التي رافقت الانقلاب وما سبقه وما سيلحقه ويتبعه.

فالانقلاب فشل... لكن المعركة لم تنتهي.

بل بدأت اليوم من جديد...

والسؤال الأول الذي يجب الإجابة عنه: كيف استطاع هؤلاء الانقلابيين الوصول لأهم هذه الماركز الهامة والأكثر حساسية خاصة في ما يخدم هذه العملية...؟؟

ولماذا لم يستطع جهاز الاستخبارات التركي اكتشاف هذه التحركات قبل الساعات الاخيرة رغم أن استهداف هذا الجهازوخاصة قيادته أمرا معروفا للقاصي والداني...؟؟

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس