برهان الدين دوران – صحيفة صباح - ترجمة وتحرير ترك برس 

شهدت تركيا ليلة الجمعة محاولة انقلاب مصدرها تنظيم فتح الله غولن. ولكن هذه المحاولة التي احتلت بعض المواقع والمؤسسات الحساسة في أنقرة واسطنبول احبطت بفضل قيادة الرئيس أردوغان ورد الفعل الديمقراطي للشعب.  

كما أدى الكفاح الناجح لقوى الأمن وجهاز المخابرات القومي وسط معارضة جزء هام من الجيش دورأ حاسماً في عرقلة الانقلاب.  

بالإضافة إلى إطلاعكم من خلال الإعلام على أمثلة عديدة عن البطولات التي أبداها الناس في رفضهم له.   

ونيل شعبنا الشجاع الذي حمى ديمقراطيتنا بأجساده المخترقة بالرصاص، والارتماء أمام الدبابات مكاناً في صفحات تاريخنا المجيد. واعتبار رد الفعل الديمقراطي المنبثق عن كافة قطاعات المجتمع بمثابة ملحمة أظهرت مدى نضوج الوعي السياسي لأمتنا.     

وبالرغم من نيران الدبابات الفتاكة فقد كنت شاهداً على قرار الشعب الشريف بالتقدم على جسر البوسفور بإصرار. وبالرغم من عدم امتلاك معلومات دقيقة جداً عن سبب فشل أولئك الانقلابيين. ولكن السبب الرئيسي لإخفاقاتهم هو جهلهم وعجزهم عن تحليل السياسة التركية.   

ولم يتوقعوا على الإطلاق أن الشعب التركي سيدافع بهذا القدر من القوة عن خياراته ومؤسساته ومستقبله والأهم من ذلك عن وطنه. حيث دافعت خيارات المجتمع التركي في تلك الليلة عن إرادته من أجل توجيهها عن طريق السلطة.   

كما أصبح تناقض أردوغان المستخدم في أوساط المعارضة مدة من الزمن بمثابة مخدر، أربك الانقلابيين. ومبالغتهم في تأثير هذه المادة المنتجة من قبلهم. واعتقادهم أن الانقلاب سيمكن معارضي حزب العدالة والتنمية من الالتقاء على أرضية واحدة.

ورغبتهم بالحصول على الدعم مفتوح أو ضمني من فئات المجتمع في حال إقامتهم اتفاقاً كهذا داخل الجيش. واعتقادهم أن الفئات العلوية، والعلمانية واليسارية والقومية ستنزل إلى الميادين للوقوف إلى جانب الانقلاب. غير أن منتسبي تنظيم فتح الله غولن قللوا من  شأن الفرق بين تشكيل اتفاق من أجل انقلاب سيتولون قيادته بأنفسهم وبين تقديم رأسمال للمعارضة.

بالإضافة إلى تجاهل الوعي السياسي للفئات الداعمة لحزب العدالة والتنمية وما تعلمته من عملية 28 من شباط، ومذكرة 2007 حتى 17 من كانون الأول. حيث أدى هذا الخطأ إلى ظهور فهم غير منطقي يقدس بأسلوب مسيحي دورهم.

كما أصبحت المنطقة التركية حالياً ومستوى التقدم وحيويتها قبل كل شيء بموقع معقد لا يمكن للانقلابيين إدراتها. ولهذا السبب في الواقع كانت الفطرة السليمة للشعب المدرك بأن نجاح الانقلاب يعني حصول حرب أهلية وفوضى، بمثابة العامل الأساسي الذي عرقله. علاوة على حسن إدارة المجتمع المدني والاعلام والمؤسسة السياسية.  

وهو ما يمكنني تسميته "بالوعي التركي العميق" المدرك لأهمية السلم والاستقرار. وبعيداً عن الصراعات الايدولوجية فقد أظهر إغلاق الدبابات حركة السير على الجسور كيف ستتلاشى الحياة اليومية بكافة أشكالها، وأن الجميع سيخسر من الانقلاب.  

وبناء عليه أصبح وجود تلك الدبابات على الجسور بمثابة مرحلة جديدة في سياسيتنا، ورمزاً لانقلاب 15 من تموز. ولهذا السبب أقول بإن تلك الليلة كانت انتهاء مرحلة، وبدء مرحلة أخرى جديدة تماماً.  

فقد بلغت الفوضى التي شهدناها طوال ثلاث سنوات ذروتها في تلك الليلة. وانتقلنا إلى حقبة لا تراجع فيها عن ترسيخ ديمقراطيتنا. واستخدام الانقلاب الذي مثل الفرصة الأخيرة ضد السلطة المنتخبة كهجوم انتحاري وفاشل لتنظيم فتح الله غولن. وبالتالي لن تقتصر مرحلة تطهير مؤسسات الدولة من التنظيم الموازي فحسب خلال الفترة المقبلة. 

ولذلك ينبغي ضمان أن تكون المحاولة الأخيرة في التاريخ الانقلابي من خلال المعاقبة عليها. وانتقالنا إلى مرحلة يجري فيها القضاء بالكامل على الثقافة الانقلابية داخل الجيش ووضع عقد اجتماعي جديد. 

وكما ينبغي الحذر من الحملات الدولية الساعية إلى تقييد تركيا والقضاء على الهواجس التي "ستخدم أردوغان" في هذه المرحلة.   

عن الكاتب

برهان الدين دوران

مدير مركز الدراسات السياسية والاقتصادية والاجتماعية "سيتا" في أنقرة


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس