شمس محمود - خاص ترك برس

من الواضح جدا بعد كل هذه التجارب التي مرت أن المجتمع الدولي بكافة مؤسساته مسيس يخضع لقانون القوة وليس للقانون الذي يساوي بين القوي والضعيف أويحمي حقوق الضعيف إذا جار عليها القوي وهذه القوانين لايمكن لأحد تجاوزها إلا أن يكون قويا كفاية لمحاربة الجميع المتفق على الوحيد المخالف وقتها.

ففي كثير من ثورات "الربيع العربي" تنظر القوى الدولية اليها وترى ما هي مطالبها ومن يقودها فتجد أن مطالبها الحرية وأنه لا أحد يقود فالشعب قد انفجر في وجه ذلك المجرم فيكون التحليل أنها ثورة شعبية عارمة قد يطول أمدها وتعطل مصالحنا هناك. وإمكانية تحجيمها أو ردها صعبة جدا لكنها ليست مستحيلة ولكن هذا يعني وقت أطول وخسارة أكبر ولكن تطور الأمور فتصير ثورة مسلحة ضد نظام لا يتورع عن استخادم كافة الأسلحة المتاحة لديه ليبقى حتى لو أفنى الشعب بالكلية فتفتح خطوط مع الطرفين وهى مع النظام كانت بالأصل مفتوحة ولكن الوضوع الجديد جعل النظام أكثر هشاشة وأكثر قابلية لتقديم مزيد من التنازلات كي يبقى والجانب الآخر هو الأضعف حتى الآن لأن مواردة فى الاستمرار محدودة حتى تتأكد أن الثوار لا يسعون إلى الصدام مع القوى الدولية بل للتعاون فينشئون موقفا بين موقفين فلا هم يؤيدون الثوار ولا هم يؤيدون النظام بل يرى كلا الطرفين أنهم إلى جانبه ويدعم المجتمع الدولي استمرار الصراع ليرى كفة من هى التي ستربح فإذا وجودا مثلا أن كفة الثوار فى طريقها للنجاح والسيطرة قبل إتمام المفاوضات معهم وتوقيع الاتفاق المطلوب تذرعوا مثلا  بأنه يجب وقف تصدير السلاح إلى هذه الدولة  بحجة قطع الطريق على المتطرفين "من الجانبين" أو قطع الطريق على النظام كي لا يحصل على سلاح فيواصل به إجرامه ضد "الثورة المجيدة" ويكون المقصود من هذا القرار هو قطع الطريق على الثوار من إمتلاك سلاح من السوق السوداء أو من الدول التي يعرف الجميع انها بحاجة إلى بيع السلاح فتخشى الدول من العقوبات التي يمكن أن توقع عليها من مجلس "الأمن" ويكون المصدر الأكبر من تسليح الثوار هو سوق الدول الكبرى ومنح المانحين أو ما يحصل عليه الثوار من الغنائم في خربهم ضد النظام ويكون الدعم الدولي للثوار حسب المزاج والتوافق أو الموافقة على الخطط التي تطرحها هذه الدول على الجانبين.

فلو قال قائل إذا على الثوار عدم الموافقة على هذا القرار الذي يمنع تصدير السلاح إلى هذا البلد. وإذا فعل الثوار ذلك مد النظام الدولي النظام المجرم بالسلاح بشكل أكبر فيضرب به الثوار المدنيين منهم والعسكريين فيكون التنكيل بهم أكبر فيوافقون مرغمين على القرار.

وكلما كانت الثورة أو الثوار مستقلين أو يحاولون الاستقلال عن خطايا المجتمع الدولي كانت الضغوط عليهم أكبر وكلما كانوا "مدجنين" كانت فرصتهم للنجاة كبيرة حتى يظهر فى المشهد من هو أكثر منهم تنازلا وخضوعا فيكون وجها جديدا بنفس الآلية القديمة فى تقديم فروض الطاعة أو أشد كما حدث فى اليمن وتونس ومصر و يجهز له  اليوم فى ليبيا "بحفتر" فالنظام العالمي لا يهتم كثيرا إذا حكم نظاما اسلاميا أو بوذيا ديموقراطيا أو شموليا عسكريا أو مدنيا - في الغالب – طالما كان هذا النظام خاضعا للنظام الدولي وليس للأيدلوجية التي جاء منها أو يقود بها أو تطلعات الشعب الذي يحكمه وهذا أشد وضوحا فى العراق على سبيل المثال.

ولو قال قائل حسنا: طالما مصلحة النظام الدولي مع النظام القمعي فلماذا لا يدعمونه بشكل واضح ضد الثوار حتى النهاية دون الالتفات إلى الثوار؟

أقول هذا لا يمكن لأنه:

أولا مساندة نظام بات معروفا أنه قمعي وحشي في العلن  يعني الخسارة الممكنة فى الإنتخابات القادمة فى هذه الدول فشعوب هذه الدول بالفعل مؤمنة بالديمقراطية وآلياتها بعكس الحكومات التي ما إن تصل إلى الحكم بإرادة شعبية حتى تبدأ فى تقديم فروض الطاعة للنظام العالمي الذي يمثلة رجال الأعمال الدوليين الذين يمولون الحملات الرئاسية ويتلاعبون بالإعلام العالمي والمحلي ويستفيد منهم كبار رجال الدولة الفاسدين والكل يعلم مدى فساد أناس مثل ديك تشيني ورامسفيلد وكوفي أنان ولكنهم يمارسون فسادهم هنا بحرية كبيرة داخل صفقات الشرق الأوسط وأمريكا الجنوبية وغيرها بعد الحروب أو التطورات الكبيرة التي تحدث فيها تحت أسماء مختلفة ومزاعم شتى. لهذا يبحثون أولا عن طرق  تشيطن بها الثورة والثوار فيكون الناخب فى دولهم محتارا أو مساويا بين الثورة والنظام مع الإبقاء على بعض الثوار"الكيوت" والذين ليس لهم أي أرضية شعبية ولا حتى لديهم طرح واقعي على الأرض يبقون دوما تحت الأضواء الدولية كمثل يجب أن يُحتذى (وهو على الآرض مستحيل) حتى تنجح الثورة التي انحرفت – كما سيقول النظام العالمي وقتها – عن مسارها الصحيح وهو السلمية حتى لو كانت تواجه بطائرات السوخوي أو الأباتشي أو تضرب بالدبابات في الشوارع  وسيضخم الإعلام المأجور دوليا أي خطأ بسيط فى زاوية مهجورة تحت بيت مقصوف من قبل الثوار وسيتغاضى ويبرر كل جرائم النظام الكبري بل سيدعم نظرية قديمة مفادها أن النظام يجب أن يبقى حتى تهدأ الأمور ولا تخرج عن السيطرة كأن شيئًا لم يكن.

ثانيا طالما كان هذا النظام موجود ومدعوم بشكل سافر سيستفز هذا الثورا والناس وسيدركون مفاد الخطة الموضوعة وسيتسع نطاق الثورة ولن يقل أو يهدئ فيجب تغيير الوجه وإبقاء الحالة ولو نجح القديم فى السيطرة كان أجدر على البقاء والدعم لأنه سيحقق كثير من الأمنيات المؤجلة لتلك الدولة فقد بات أقوى من السابق أو مهترئ وأكثر عزلة  ووقتها ستصدر هذه الدول بعض مذكرات التنديد والشجب العظيمة بما فعله أو يفعله النظام المجرم المتعاون مع الدول الكبرى  ثم بعد فترة ما و تحت زعم ضرورة الحاجة الإقتصادية ستعود المياه إلى نفس مجاريها العفنة وقد باتت أشد عفنا وقذارة.

ومن هذه الأمثلة أيضا فى محاولة تغيير قوانين النظام العالمي:

قولهم بعدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول فموافتك تعني أنك سترى ظلما يقع على شعب ما ولا تستطيع تقديم يد العون خصوصا اذا كنت ضعيف لا تستطيع مواجهة "المصلحجية العالميين" لآنه سيعد تدخلا فى شؤون الدول الأخرى ولو تحدثت أن الدين بل الإنسانية النقية لا تؤمن بهذا الهراء بل تؤمن بمساندة المظلوم والأخذ على يد الظالم سيكون الرد المماثل هو افتعال أزمة من تلك الدول الكبرى داخل بلدك ثم تتدخل هي فيها رغما عنك واذا اعترضت سيكون الرد أنك رفضت الإقرار بهذا المبدأ المطاط وهو عدم التدخل فى الشؤون الداخلية للدول فلا يحق لك الاعتراض فإما أن تواجه حتى تكسرهم أو تموت وتموت تجربتك وما كنت تحاول تغييره.

وبمثل هذه البنود تباد شعوب مثل الشيشان وتركستان وكشمير وأفريقيا الوسطى رغم أن الدول التي تتحدث عن عدم تدخلها فى شؤون الدول الأخرى هى من حلقت في سماء العراق وأفغانستان وسوريا واليمن وسيناء فحرقت الأخضر واليابس وتحتل جورجيا وأوكرانيا وتدعم الكيان الصهيوني عيانا بيانا وارتكب جنودها جرائم يذوب القلب من مجرد سرها تحت مزاعم شتى وأحيانا بدون مزاعم لأنه فقط امتلك القوة وافعل ما يحلو لك حتى لو كانت انتهاكات صارخة صريحة ضد حرية العقيدة والعبادة وتقرير المصير.

ولا يظن أحد أنني أتحدث هنا عن الركون إلى الموجود وكذلك لا اتحدث عن التغيير على الطريقة الحالمة التي تنظر للأمور على انها فقط ضغطة زر وتوكل على الله وكل شيء ينتهي لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم والذي هو أحسن الناس توكلا على الله وأكثر الناس معرفة بالله  أجرى صلحا مع "كفار قريش" كان يشمل بنودا "ظالمة" لأن هذا هو المتاح والمواجهة المفتوحة لم تكن تصلح وقتها  وقبل التعاون مع "المشركين" في حلف يقيم العدل ويأخذ على يد الظالم. ودخل فى جوار كافر رغم أنه نبي حتى يتمكن من مواصلة ما بدئه رغم أنه يعلم أنه فى حفظ الله ورعايته. وأرسل المسلمين إلى كافر وهو "النجاشي أصحمة" لأنه كان عادلا لا يظلم عنده أحد بل سمى أرضه أرض صدق.

لهذا كان تجويد الموجود هو الأصل والتعاون مع الصالح حتى يصير الجمع قويا هو المطلوب ويجب أن  يكون حرصنا على بقاء أي قوة "مسلمة أو غير مسلمة" تؤمن بالعدل وتطبقه بوجه الصحيح كحرصنا على إقامة دولة إسلامية على منهاج النبوة وأن الأصل هو النظر إلى الظرف وطبيعة الموجود فلم يأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفر بن أبي طالب أن يكون أول ما يفعله حين يدخل على النجاشي أن يعلن له أنه على دين باطل ولا تأخذه فى الله لومة لائم  فنحن لا نخشى إلا الله فقل الحق ولا بأس إن ردك إلى الكفار "الظلمة" مرة أخرى ليعذبوكم حتى لو متم جميعا فمن كان قبلكم كانوا يشقون نصفين ولا يردهم ذلك عن دينهم.

وجعفر رضوان الله عليه يوم أن طلب منه النجاشي أن يتلوا عليه شيء مما جاء به رسول الله لم يتلوا عليه قوله تعالى:

لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ

أو قوله تعالى:

قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ ولم يأمر الله سبحانه وتعالى رسول الله أن يأمر جعفر وقت أن يطلب منه النجاشي شيئ من القرآن أن يتلوا عليه قوله تعالى : لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ  ولا قوله تعالى : يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ...  بل تلى عليه صدرا من سورة مريم  بل إنه لم يثبت أن جعفر تلى عليه من سورة مريم قوله تعالى:

وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا (88 ) لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا ( 89 ) تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا ( 90 ) أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا ( 91 ) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا  ...

ولم يقل النبي لجعفر إن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز لكن لما دعت الحاجة وهى البيان وسئل جعفر عن قول الإسلام فى عيسى رسول الله وخاف البعض لم يتردد جعفر حينها وقال للنجاشي: نقول فيه الذي جاء به نبينا. هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول .فهنا كان تأخير البيان عن وقت الحاجة لايجوز.

لكن البعض يأبى إلا تأجيج الصراع مع الكل حتى من يمد لنا يد العون وشعارهم الأبدي إما أن يدينون بما ندين أو يقولون ما نقول وإلا فلا خير فيهم ولا خير نرجوه منهم وأقرب نمذج لهذا هو رجب طيب أردوغان فهو مهما قدم للثورة والمستضعفين منبوذ مرفوض ومهاجم على كل وجه مشكوك في أمره دائما رغم أن التجارب ومنها الإنقلاب الفاشل في تركيا الذي جرى ضده هو وحزبه من أجل مواقفهم التي لم يرضاها الكفيل الدولي تخبر الأعمى بالعكس إلا أن هؤلاء لا يفهمون هذا ولا يريدون وهذا بالطبع لا يعطي أردوغان شيكا على بياض أو استسلاما لما يقول ويقرر ولكن يعني تقوية الصالح الموجود وأنه كما قلت سابقا: يجب أن  يكون حرصنا على بقاء أي قوة "إسلامية أوغير مسلمة" تؤمن بالعدل وتطبقه بوجهه الصحيح كحرصنا على إقامة دولة إسلامية على منهاج النبوة.

فما بالك برجل مسلم يسعى إلى تطبيق العدل بقدر ما يطيق ويستطيع وإن اختلف البعض معه فى الطريقة. فلابد من إيجاد الجمع القوة المناهض للقوة العالمية التي تدعم الظلم والبغي والتي دائما ما تقدم مصالحها على أي قيمة أو مقدس وليس بالضرورة أن يكون الجمع كله تحت لواء أيدولوجية أو عقيدة واحدة بل يكفي أن يجتمعوا تحت راية تطبيق الحق بحق والعدل بعدل وأن ينصروا المظلوم ويأخذوا على يد الظالم فيمنعوه من الظلم ويدرك الظالم وأعوانه أن للمظلوم قوة تحميه فهذا هو الشيء الوحيد القادر على ردعه وإيقافه.

وهذا في رأيي هو السبيل الوحيد لتغيير المفروض منذ زمن طويل على العالم وأن المحاولات الفردية ستباد أو سيتم تدجينها أو تحييدها في أحسن الحالات حتى لا تضيع ما أنجزت على الأرض فهؤلاء لايسمحون بتغيير ما أسسوه من أحد من داخلهم فما بالك لما تأتي المحاولات من خارجهم؟!

وهذا الواقع لن يغيره الدعاء منفردا ولا صلاح الناس فى ذواتهم فلا يغير القوة إلا القوة فيجب السعي إلى امتلاكها وتجويد الموجود منها لا تدميره لكنها قوة عادلة تؤمن بالعدل وتطبقه واقعا بينها وتسعى جاهدة إلى إعلائه ويجب أن نفهم أنه اذا اندفعت قوة كبيرة نحو ثابت فلا بد أن يحدث أحد أمرين:

إما أن ينكسر الثابت وهذا يعني أنه كان أضعف من القوة المدفوعة أو تنكسر القوة المندفعة وهذا يعني أن الثابت كان أقوى من ضربتها أو لا تؤثر الضربة فى كثير فيعاود صاحبها الضرب من جديد في الثابت حتى يحدث أحد الاحتماليين السابقين وليس فى هذا محاباة لطرف على آخر بل هو قانون يسرى على الجميع وناموس من نواميس الكون.

عن الكاتب

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس