سميح إيديز - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

تستفيد طهران، على غرار موسكو من المزاج التركي تجاه إيران بسبب الدعم الفوري الذي قدمته للرئيس رجب طيب أردوغان وحزب العدالة والتنمية عند وقوع محاولة الانقلاب في الـ15 من يوليو/ تموز.

كان الرئيس الإيراني حسن روحاني من أوائل زعماء العالم الذين اتصلوا بأردوغان بعد محاولة الانقلاب الفاشلة لتقديم الدعم له.

لوحظ المزاج المتفائل بشأن العلاقات التركية الإيرانية خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، لأنقرة والتي لم تكن مدرجة، بينما أثنى وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو على نظيره الإيراني خلال المؤتمر الصحفي.

وقال تشاووش أوغلو: "خلال ليلة الانقلاب لم أنم حتى الصباح لا أنا ولا صديقي ظريف الذي كان أكثر من تحدثت معه من وزراء الخارجية، حيث اتصل بي خمس مرات خلال الليل". كما استقبل الرئيس أردوغان ورئيس الوزراء بن علي يلدريم الوزير الإيراني بحرارة.

كان امتنان تركيا لموقف إيران من محاولة الانقلاب في جانب منه لأنه موقف يتناقض بحدة مع تحفظ الغرب. وبالمثل تحركت موسكو مبكرا لدعم أنقرة. وقد غذت تصريحات المسؤولين الروس والإيرانيين التكهنات عن "محور جديد" بين أنقرة وموسكو وطهران، بحيث تعمل معا لوضع حد للأزمة السورية.

وقد أشار عبد القادر أوزكان، وهو كاتب العمود في صحيفة ميلي غازيتيه الإسلامية، في مقال له  نشر أخيرا إلى أنه لا توجد علاقت دائمة ولا عداوات دائمة في العلاقات الدولية التركية التي تحددها مصالح أخرى.

وقال عبد القادر: "يمكن لهذه المصالح أن تتغير بمرور الوقت، وأحيانا يمكن التماس تحالفات جديدة كلون من الحماية من العداوة، وأحيانا ما تعمل التحالفات القائمة ضد مصالح الدولة"، مضيفا أن المواقف غير الودية التي اتخذتها الولايات المتحدة وأوربا تجاه تركيا أجبرت أنقرة على السعي إلى ترتيبات جديدة مع روسيا وإيران.

وقد شجعت التصريحات الروسية والإيرانية الرسمية وجهة النظر هذه، فقد أعرب ظريف عن ارتياح أنقرة  لمدى تحسن العلاقات بين تركيا وروسيا التي توترت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي بعد إسقاط تركيا طائرة روسية كانت في مهمة لقصف القوات المعارضة للنظام السوري.

وقال ظريف للصحفيين في أعقاب محادثاته مع تشاووش أوغلو: "نحن سعداء للغاية للتعاون بين تركيا وروسيا، ونحن على استعداد للمساعدة في ذلك. هذه الدول الثلاثة يجب أن تعمل من أجل السلام في المنطقة".

جاءت زيارة ظريف بعد أيام من قمة 9 أغسطس/ آب بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان في موسكو، وقبل يوم واحد من اجتماع بوتين وروحاني في العاصمة الآذرية باكو.

ونقلت وكالة سبوتنيك الروسية عن نائب وزير الخارجية الايراني إبراهيم رحيم بور قوله قبل اجتماع باكو: "إن بوتين وروحاني سيبحثان أيضا كيف يمكن مساعدة أردوغان"، مشيرا إلى أن "الدول العربية والغرب لا يمكن أن يقدموا هذه المساعدة". وقال رحيم بور: "إن منطقتنا تتطلب أن تكون بين روسيا وتركيا علاقات جيدة".

كما غذى نائب وزير الخاريجية الروسي ميخائيل بوغدانوف التكهنات حول محور جديد عندما قال في بيان بعد محادثات ظريف في أنقرة "إن الدول الثلاث يمكن أن تلتقي قريبا في سوريا".

ومع ذلك لا تزال آفاق تشكيل "محور حقيقي" بين الدول الثلاث أمرا مشكوكا فيه في أحسن الأحوال، نظرا للاختلافات القائمة بين أنقرة وطهران وأنقرة وموسكو بشأن سوريا.

لا تزال أنقرة تعارض بقاء بشار الأسد في السلطة، وحتى وإن كانت هناك مؤشرات على أنها ستقبل بإدارة سورية تضم أنصار الأسد. لكن موسكو وطهران أوضحتا أنهما ليستا مستعدتين للمساومة على مستقبل الأسد. كما أن أنقرة غير راضية عن العمليات العسكرية الروسية ضد من تصفهم المقاتلين الشرعيين المناهضين للأسد، إلى جانب جهود إيران العلنية والسرية للحفاظ على بقاء النظام السوري.

روسيا وإيران من جانبهما لا تزالان تزعمان أن ما تسميهما الجماعات السنية المتطرفة في سوريا التي تعمل بدعم من أنقرة هي من أطالت الأزمة السورية. ومع ذلك فهناك مناطق تتداخل فيها المصالح التركية الإيرانية. وعلى سبيل المثال أكد البلدان خلال زيارة ظريف على أهمية الحفاظ على وحدة الأراضي السورية، كما أن البلدين متحدان في رغبتهما في منع تطلعات الأكراد لتكوين منطقة حكم ذاتي في شمال سوريا، على الرغم من شاوش أوغلو وظريف لم يصرحا بهذا علنا خلال مؤتمرهما الصحفي في أنقرة.

وقد تطرق شاوش أوغلو إلى هذا الموضوع مكتفيا بالقول بأن أنقرة تعد أمن إيران واستقرارها على قدم المساواة مع الأمن والاستقرار في تركيا، مشيرا إلى أن حزب العمال الكردستاني في تركيا، وحزب الحياة الحرة الكردستاني في إيران، وحزب الاتحاد الديمقراطي في سوريا تشكل تهديدا لا للبلدين فحسب بل للمنطقة كلها.

تتفق إيران وتركيا أيضا على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية والجماعات المماثلة الناشطة في سوريا والعراق.

لكن نظرا لعلاقات أنقرة العسكرية والاستراتيجية مع الغرب والتي يتوقع أن تستمر على الرغم من التوترات الحالية، ونظرا لتطورات علاقتها بالسعودية منافس إيران الإقليمي، فإن على أنقرة أن تخطو بحذر حتى تتجنب إعطاء انطباع بأنها تعيد ترتيب سياستها الخارجية بطريقة تلحق الضرر بدول أخرى.

شهدت تركيا توتر العلاقات بين طهران والرياض خلال قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول في شهر أبريل/ نيسان الماضي عندما ظهرت التوترات بين البلدين علنا تاركين أنقرة عالقة بينهما.

ويشير بوزكورت أران، السفير التركي السابق في أنقرة إلى أنه من غير الراجح أن تقبل إيران بموقف تركيا في سوريا. وقال أران للمونيتور: "إن موقف إيران من سوريا تاريخي، ولا يتوقع أن يتغير ذلك في وقت يتزايد فيه نفوذها في الشرق الأوسط" .

ويشبه أران كلا من تركيا وإيران بالشيهم، فعندما يكون الطقس باردا يجمع عيدان الخشب بجوار بعضها ليحافظ على الدفء، ولكنه لا يضعها قريبة جدا من بعضها حتى لا تسقط بعضها بعضا، مضيفا أن الجانبين يدركان أن علاقتهما السياسية والعسكرية فقط تعد مجازفة.

ومن غير الراجح أيضا أن تقدم تركيا على التخلي عن سوريا أو أن تقبل بوضع إيران في سوريا، حتى وإن أجبرتها الظروف على إعادة حساباتها السياسية وجعلها أكثر واقعية.

وبدلا من علاقات استراتيجية بين تركيا وإيران، ثمة اتجاه آخر لأن تتجه البلدان إلى استعادة الوضع الذي كان قائما قبل الأزمة السورية التي وترت العلاقات بينهما. ويبدو أن تحسين تركيا لعلاقتها مع إيران، وتطوير علاقتها مع المملكة العربية السعودية يشير إلى أن أنقرة تسعى إلى إيجاد أرضية مشتركة في منطقة ما قبل اندلاع الربيع العربي، بحيث يمكن أن تعمل وسيطا في الأزمات الإقليمية.

وهذا يتناسب مع التوجه الجديد للسياسة التركي التي حددها يلدريم بعد توليه منصبه في شهر مايو الماضي عندما أعلن أن "زيادة أصدقاء تركيا وخفض عدد أعدائها يأتي على رأس أولوياته".

خلاصة القول إن تركيا وإيران ستعودان على الأرجح إلى موقفهما التقليدي من الاتفاق على عدم الاتفاق حول قضايا معينة، مع الاستمرار في السعي نحو تحقيق مصالحهما الخاصة، على ألا يسمح للخلافات بينهما بتقويض العلاقات عموما، وفي الوقت نفسه التعاون بشأن القضايا الإقليمية إلى أقصى درجة. 

عن الكاتب

سميح إيديز

صحفي تركي متخصص بالشؤون الدبلوماسية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس