محمد حسن القدّو - خاص ترك برس

توالت التكهنات الكثيرة والمختلفة حول ماستؤل اليه المنطقة بعد بروز الدور التركي الجديد بشعبه بمختلف الأطياف والأحزاب الذي تصدى للانقلاب والذي استطاع أن يحافظ على كيان دولته من الانهيار.

بادئ ذي بدء نقول إن زيارة الرئيس التركي إلى روسيا قد أُعِدّ لها قبل وقوع الانقلاب ولكن أهمية الزيارة تكمن أيضا في توقيتها التي أعقبت انتهاء الحضور الشعبي في الميادين والساحات لنصرة الديمقراطية، أي بمعنى أن الزيارة حدثت في وقت تقوت فيه ساعد الدولة من جديد وهيأتها أن تكون مباحثاتها على أرض صلبة طمأن الروس كثيرا حول مجمل الاتفاقات المنجزة بين الطرفين.

بعد انتهاء المفاوضات الروسية التركية آثر الجانب الايراني أن يكون أول المبادرين إلى إرسال وفدا رفيع المستوى إلى تركيا مهنئا بفشل الانقلاب ولفتح صفحة جديدة مع الجانب التركي أساسه الاعتماد على القوة الذاتية للبلدين مع الأطراف الأخرى في حل النزاعات الإقليمية دون تدخل خارجي.

تدرك تركيا أن أمريكا والدول الغربية والمنضوية تحت مظلة حلف الناتو لا تسمح لها بإقامة علاقات مثلى واستراتيجية طويلة الأمد مع الجانب الروسي مثلما سعت إلى ذلك من قبل مع الجانب الإيراني، وفي الوقت نفسه تحاول هدم كل مرتكزات البناء الاقتصادي والتجاري من خلال إثارة المزيد من المشاكل الداخلية في الحياة السياسية لإبقائها ضعيفة غير قادرة على تجاوز الإملاءات الغربية، لأن تركيا دولة مسلمة، والغرب لا يطمئن إلى تركيا في حال برزت كقوة إقليمية متقدمة في النواحي الاقتصادية والعسكرية، حيث كابوس الدولة العثمانية لا زالت تراود في مخيلتها رغم انقضاء قرن على سقوطها.

إلا أن الأمريكان ورغم أنهم ميالون إلى النظرة ذاتها لكن المصالح الأمريكية فوق كل اعتبار وهم يدعمون مصالحهم مع القاصي والداني أيا كانت ديانته شرط أن تستوعب هذه العلاقة مصلحتها القومية، ولهذه فإن مبادرة زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن المؤملة إلى تركيا تحمل طابع إدامة وترميم العلاقات وتجديدها مع الواقع التركي المستجد بعد الانقلاب لأن من المعروف أن الغرب عموما كان مع هوى الانقلاب لاعتبارين مهمين الأول أنها أرادت التخلص من الرئيس أردوغان ومن إملاءاته تجاه المحادثات المستمرة حول الانضمام للاتحاد الأوروبي وكذلك حول الاتفاقية المبرمة حول اللاجئين السوريين والشيء الثاني والمهم أيضا أنها أرادت أن تكون تركيا ضعيفة عند نجاح الانقلاب بسبب ما يخلفه الانقلاب للكثير من الأحداث الداخلية تلهي تركيا عن دورها الدولي والإقليمي بالإضافة إلى انهيار اقتصادها وكما لمحنا إلى ذلك، وهذا الشيء ذاته كانت تنتظره الولايات المتحدة بل الأكثر من ذلك ربما طلبت الإدارة الأمريكية لاحقا من الانقلابيين التدخل المباشر في الشأن السوري - وبذلك تشرك تركيا مع روسيا وإيران في المستنقع السوري بغية استنزافها عسكريا واقتصاديا، لكن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن بإرادة الشعب التركي وعودة العلاقات التركية الروسية إلى سابق عهدها وتفاهماتها حول المسألة السورية وبواعث الأمل من الحل المنتظر لها بين الطرفين وبتنسيق مع الطرف الإيراني الحليف القوي للأسد، ربما سينهي الدور الغربي والأمريكي في سوريا نتيجة عدم وجود رغبة حقيقية لدى إدارة أوباما لإنهاء المأساة السورية بل كانت هذه الإدارة تناور دوما لفسح المجال للجانبين الروسي والإيراني لإنهاء أي دور للمعارضة السورية بكل فصائلها.

وعليه فإن زيارة نائب الرئيس الأمريكي إلى تركيا في هذه الفترة بالذات والتي عنوانها ترميم العلاقات التركية الأمريكية تحمل الكثير من الدلائل والخطط الأمريكية المستقبلية، فمن قرار تسليم غولن إلى تركيا ومرورا بقضية سيطرة المليشيات الكردية على مدينة منبج السورية وكذلك التحرك الدولي لتحرير الموصل إضافة إلى مستقبل القوات التركية في شمال العراق والتصدي التركي لعمليات حزب العمال الكردي في جنوب وشرق تركيا، هذه المواضيع وغيرها هي التي ستكون على طاولة المباحثات التركية الأمريكية، لكن من المهم أن نذكر أن غاية أمريكا في هذه الفترة الانتقالية والتي ستبدأ بها الانتخابات الرئاسية الأمريكية هي تخديروإشغال الأتراك ومنعهم من تطوير علاقاتهم مع الروس في حال تنامي كره الأتراك للأوروبيين والأمريكان وخوفا من أن تؤثر هذه العلاقات المرتقبة مع روسيا على بنية حلف شمال الأطلسي بعد التصدع الذي حصل في المواقف الأوروبية تجاه تركيا بعيد فشل الانقلاب، أي أن غاية الزيارة التي يقوم بها نائب الرئيس الأمريكي إلى تركيا هي تحويل هذه الملفات مجتمعة إلى عهدة الرئيس المنتخب الجديد كما حدثت إبان المباحثات الأمريكية مع إيران بخصوص رهائن السفارة الأمريكية حيث تم تنفيذ الاتفاق بعد وصول الرئيس ريغان إلى سدة الحكم، إن مسالة تحويل الاتفاقات الأمريكية الخارجية في نهاية عهد الرئيس يكمن بسبب عدم وجود الوقت الكافي لتشريعها والعمل بمضمارها إضافة إلى أن تلك الاتفاقات قد تأخذ مسارا أوسع ووقتا أطول قد يتطلب إشراك القائمين الجدد للإدارة الأمريكية حول تنفيذ كافة متعلقاتها.

إن هذه البديهية الحاصلة في التعاملات الأمريكية في الفترة الانتقالية قد تؤخر بعضا من المشاريع التركية حول علاقاتها الخارجية ومن ضمنها إيجاد حل مشترك حول المأساة السورية بالاشتراك مع الروس والإيرانيين، فهناك اختلاف نظر واضحة بين الروس والأمريكان فأمريكا تصر دائما على موقفها من أن المسألة السورية يجب أن تحل بالطرق الدبلوماسية، ولكنها لا تقدم أية حلول أو اتفاق بينها وبين الروس حول حل المسألة طيلة السنوات الماضية، وفي الوقت نفسه لا تحرك ساكنا حول العمليات الروسية في سوريا وكأنها تصر على زيادة التوغل الروسي في المستنقع السوري، بل الأكثر من ذلك فان الأهداف التي تقصف في المدن السورية والتي هي عبارة عن مجمعات سكنية مأهولة والمراكز الصحية وتتهم بها روسيا - وروسيا تنكر ذلك وبشدة - (وهذه نقطة مهمة يجب التوقف عندها)، لأن إنكار الروس لهذه الأعمال يعني أن المعلومات عن الأهداف المقرر قصفها من قبل الطائرات الروسية مضلل فيها بما يوحي أن هناك جهة خفية تحاول توريط الروس بالمزيد من العمليات التي تؤدي إلى كره الشعب السوري لروسيا مستقبلا إضافة إلى اتهامها بالضلوع في جرائم الحرب، أو أن الأهداف المدنية والمستشفيات تقصف من طرف آخر غير الطائرات الروسية - هذا في حال إنكار الروس المستمر لقصفها هذه الأهداف.

والأتراك وإن لم يرغبوا بمثل هذه الاتفاقات سابقا مع روسيا وإيران في حل المسألة السورية بسبب انحياز الدولتين للنظام السوري والموقف التركي المغاير لهما باعتبارها أنها كانت تساند المعارضة السورية ولعدم وجود رؤية واضحة من قبل أمريكا وباقي الدول الاقليمية وضبابية مواقفها حول استمرار الحرب السورية والمواقف المتباينة من المعارضة السورية لهذه الدول وبروز بعض المواقف الجديدة من الروس والإيرانيين وربما من النظام السوري حول إنهاء المسألة السورية والدافع الأخوي والإنساني هو الذي سيسهم إلى عقد كافة الاتفاقات مع الأطراف لإنهاء معاناة السوريين وبأسرع ما يمكن.

ولكن فإن تركيا ورغم الذي حصل من تصدع علاقاتها مع الغرب ومع أمريكا فإنها ترى أن مسألة عضويتها في حلف شمال الأطلسي غير قابل للنقاش وإن علاقاتها مع الأمريكان هي علاقات استراتيجية لا مثيل لها ولا بديل عنها. وهذا ما سيؤكده الطرفان التركي والأمريكي عند زيارة بايدن إلى أنقرة أو إسطنبول.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس