ترك برس

دعا الباحث التركي نوزت تشيليك الغرب إلى دعم الحكومة التركية وتغيير تعريفه للديمقراطية على أنها الذراع التي تُمكنّه من التحكم بمؤسسات الدول الأخرى لخدمة مصالحه، مُعرفًا الديمقراطية بأنها المقياس الذي يظهر إلى السطح من خلال تقديم حكومة منتخبة خدماتها لمواطنيها عبر مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية التي يجب أن تخضع لسلطتها مهما كان توجهها الفكري أو السياسي.

وفي مقاله على الجزيرة ترك "الاستقرار، القدرة على الإدارة، الديمقراطية" وصف تشيليك انتقاد الغرب للحكومة المنتخبة عقب محاولة الانقلاب بدل انتقاد أو شجب الانقلابيين بأنه أمر غير منطقي، مؤكدًا أن الديمقراطية لا يمكن لها أن تكون إلا من خلال بقاء حكومة منتخبة.

الديمقراطية لا تتم بمجرد وجود الحكومة، يرى تشيليك أنها تحتاج إلى حكومة منتخبة تتمتع بقيادة قوية وتخطيط سياسية واقتصادية واجتماعي قوي، فهكذا كُتب النجاح للديمقراطية الغربية، وانعدام العناصر المذكورة يعني انعدام الديمقراطية الصلبة التي ستكون قادرة على مواجهة الهزات التي قد تحدث.

يوضح تشيليك أن العملية الديمقراطية الموجودة بنموذجها المثالي في أوروبا، لم تبصر النور في ليلة وضحاها، بل استغرقت أكثر من ثلاثمائة عام حتى وصلت إلى ما هي عليه، مبينًا أن أوروبا عرفت مفهومي الدولة السياسية والديمقراطية في مطلع القرن السابع عشر من خلال قوانين نابليون ولكنها لم تنتقل إلى كيان الدول الديمقراطية أو الممالك الدستورية، كبديل للإمبراطوريات المطلقة، إلا بعد الندم الشديد الذي أصابها إبان الحرب العالمية الثانية.

وفيما يتعلق بالمعايير الديمقراطية، يذكر تشيليك أنه بالرغم من كون المعايير الديمقراطية ثابتة، إلا أن كل دولة أوروبية شيدت مؤسستها البيروقراطية السياسية وفقًا لقيمها الثقافية، فظهر هناك تأثر واضح بالبروتستانتية والكاثوليكية في كثير من الدول الأوروبية.

رفاهية الفرد العالية

في هذا السياق، يؤكّد تشيليك أن جميع النتائج الديمقراطية التي تحظى بها أوروبا لم تأتِ من فراغ بل تم الحصول عليها في إطار ارتفاع رفاهية الفرد الذي يُعد العنصر الأساسي في نجاح الديمقراطية، موضحًا أنه على الرغم من وجود استثناء لكل قاعدة إلا أن الكثير من الدراسات تؤكّد أن الديمقراطية مرتبطة بعلاقة طردية مع رفاهية الفرد ونصيبه من الدخل القومي.

تركيا والديمقراطية

وعن تطور الديمقراطية في تركيا، يُفيد تشيليك بأن تركيا، كأحد الدول النامية، يجب عليها أن تحذو حذو الديمقراطية الغربية كأحد الأهداف التنموية المستقبلية، منوّهًا على صعيد آخر إلى أن تركيا أثناء سعيها لاقتباس التجربة الديمقراطية تواجه صعوبات من الغرب الذي يرى أن التجربة الديمقراطية الغربية بخصائصها التاريخية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية خاصة بالغرب فقط.

العوائق التي تواجهها الحكومة التركية كثيرة، لكن على الرغم من ذلك، استطاعت الحكومة التركية إحراز تقدم اقتصادي واجتماعي ملحوظ لمواطنيها دون أي استثناء بينهم، فعند الذهاب إلى مدينة فان التي تقع في أقصى شرق البلاد يمكن ملاحظة هذا التقدم، على حد زعم تشيليك.

هذا التقدم زاد من شعبية الحكومة التركية الحالية، يضيف تشيليك أن الحكومة وسعت من حجم حقوق الفرد أيضًا، فبات بإمكان كل مواطن تركي استخدام آليات للبحث عن حقوقه والحصول عليها بكل سهولة.

وبحسب تشيليك، فإن المواطن الذي صار يُنهي أعماله داخل الدولة خلال ساعة كأحد أقصى دون دفع أي رشوة كما كان قبل 10 سنوات، يُعد من أبسط المؤشرات على تطور الديمقراطية في البلاد.

لا يمكن لتركيا تطبيق الديمقراطية الاسكندنافية، ولكنها دولة ديمقراطية لا غنى عنها بالنسبة للغرب

تحت هذه العبارة، يؤكد تشيليك أنه لا يمكن لتركيا التحول إلى نموذج الديمقراطية الإسكندنافية الأنجح في العالم من حيث الحقوق، نظرًا لوجود الكثير من الاختلافات الهيكلية لتركيا، موضحًا أن ذلك لا يعني بأن تركيا دولة غير ديمقراطية، بل هي دولة ديمقراطية تسعى لتطبيق الديمقراطية طبقًا لوضعها السياسي وقيمها الثقافية ومواردها الاقتصادية والبشرية، وبذلك هي غير قادرة على تطبيق الديمقراطية الاسكندنافية مئة بالمئة.

ويبيّن تشيليك أن تركيا الديمقراطية تلعب دورًا هامًا بالنسبة للغرب، فهي التي تحول دون وقوعه في مأزق الإرهاب وأزمة اللاجئين الذين بلغ تعدادهم 3 ملايين لاجئ، موضحًا أنه من النادر أن تتحمل دولة من دول العالم هذا الأمر.

ويخلص تشيليك إلى أنه في ظل احتدام الصراع في المناطق المجاورة لتركيا، فإن الغرب مضطر لتقديم كافة المساعدات والخدمات والدعم الدبلوماسي لتركيا التي تحمي حدودها البرية والبحرية، ويجب أن يعلم بأن سقوط قلعة الديمقراطية في الشرق الأوسط ليس لصالحه.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!