جلال سلمي - خاص ترك برس

طُرحت ملامح مشروع الشرق الأوسط الجديد على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس في نهاية عام 2006، حيث اتضح أن الولايات المتحدة تسعى لتغيير خارطة الشرق الأوسط اعتمادًا على أسلوب أساسي أُطلق عليه فيما بعد "الفوضى الخلاقة" التي بدأت ملامحها مع ظهور داعش وغيرها الكثير من المنظمات المذهبية والقومية الإرهابية التي فتت، وما زالت تفتت، روابط بعض دول الشرق الأوسط.

بهذا التوضيح يختصر خبراء مسعى الخطط الأمريكية الجديدة في منطقة الشرق الأوسط التي تعاني منذ فترة من الزمن من ويلات الفوضى العارمة، ومنهم أستاذ العلوم السياسية في جامعة مرمرة جنكيز تومار.

رأى الأستاذ جنكيز أن الولايات الأمريكية المتحدة توجد الفوضى لبناء شرق أوسط جديد طبقًا لمصالحها السياسية في المنطقة، مشيرًا إلى أن النظرية الأنغلو ـ أمريكية التقليدية، أي نظرية الاستراتيجيات البريطانية الأمريكية، منحت الفرصة لبريطانيا لرسم خريطة الشرق الأوسط في مطلع القرن المنصرم، أما اليوم، فهذه النظرية تمنح أمريكا الفرصة ذاتها لرسم الخريطة في مطلع القرن الجاري.

وبحسب تومار، فإن الخريطة الجديدة للشرق الأوسط رُسِمت قبل إعلان رايس عن مشروعها من قبل أحد عقول المحافظين الجُدد وهو البريطاني برنارد لويس، في السبعينات من القرن الماضي، وظهرت للسطح في العقد ذاته.

عمل لويس أثناء الحرب العالمية الثانية، عميلًا في المخابرات البريطانية ومن ثم بيروقراطيًا في وزارة الخارجية البريطانية، ومنها انتقل إلى جامعة لندن ليلقي دروسًا عن أنواع السلطة في العالم الإسلامي ومنطقة الشرق الأوسط.

وفي مقاله "الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد" يقول تومار إن لويس عاد لتفعيل كتابته وخططه عن مشروع الشرق الأوسط الجديد بكثافة بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، إذ أصدر عام 1992 كتابه "إعادة التفكير في الشرق الأوسط"، الذي أوضح فيه أنه يرى أن هناك "لبنان كُبرى" ظهرت، وعاجلًا أم آجلًا ستظهر انقسامات مذهبية وقومية، وأن تمنيات وخطط الولايات الأمريكية المتحدة في هذا الإطار، يجب أن تكون بهدف تشكيل منطقة شرق أوسط جديدة.

وبيّن تومار أن الولايات الأمريكية المتحدة شرعت بتنفيذ مشروعها المذكور لأول مرة في العراق، من خلال ادعاء حرصها على تأسيس نظام ديمقراطي بديل للنظام الدكتاتوري الموجود هناك، مشيرًا إلى أن أمريكا لم تعكس المبادئ التي أعلنتها على الواقع العراقي الذي بات يعاني من حالة انحلال سياسي مذهبي يندى لها الجبين.

وكشف تومار أن مشروع الشرق الأوسط الجديد لا يستثني أي دولة من دول الشرق الأوسط، بل يشمل سوريا والعراق ودول الخليج ودول الغرب العربي ويمتد من إيران إلى أفغانستان وباكستان مارًا بتركيا، مشيرًا إلى أنه بطبيعة الحال لا بد من إشعال فتيل العنف والإرهاب والحروب والنزاعات، أو كما يُطلق عليها الأمريكان "الفوضى الخلاقة"، حتى يتم تطبيق الخطة.

تركيا والفوضى الخلاقة

نوّه تومار إلى أن صحيفة نيويورك تايمز نشرت بتاريخ 28 أيلول/ سبتمبر 2013، نسخة لخريطة الشرق الأوسط الجديد مع مقالة بوربين رايت الباحث في مركز ويلسون، وقبل نشر الخريطة طرح تساؤل مفاده "كيف تُقسم خمس دول من الشرق الأوسط إلى 14 قسمًا؟"، ولم تشمل الخريطة تركيا بشكل واضح، ولكنها ضمت عدة دول مجاورة لها.

أوضح تومار أن لويس لم يضع تركيا في خططه التقسيمية، وأثنى على الموقف التركي كثيرًا في "ظهور تركيا الحديثة" الذي كتبه في الستينات، ولكن بحسب تومار، فإن تركيا المقصودة هناك هي تركيا الضعيفة المساندة لجميع الخطط الأمريكية الغربية الرأسمالية دون شروط، أما الآن، فهناك تركيا القوية التي تهدف إلى تأسيس محاور اللعبة بمنافسة الولايات الأمريكية المتحدة، وهذا ما يخالف مبدأ توازن القوى الأمريكي الذي خطه هنري كسنجر وحرم تطاول أي دولة، أيًا كانت، على الخطط الأمريكية.

وأشار تومار إلى أن الولايات الأمريكية المتحدة أصرت على تركيا، في بداية الأزمة السورية، التدخل العسكري البري والجوي، موضحًا أنه لا بد من أن أمريكا كانت تعلم أن 50% على الأقل من قادة الجيش التركي تابعون لجماعة غولن، لذا كانت واثقة بأن الجيش التركي سيتدخل، لإسقاط تركيا في وحل الفوضى الخلاقة.

إلا أن القيادة السياسية التركية اتسمت بالحكمة في تعاملها مع القضية السورية حسب تومار، ولم تجازف بدخول النزاع السوري، مما دفع القوات الأجنبية صاحبة خطة الفوضى الخلاقة إلى زيادة دعم حزب العمال الكردستاني بي كي كي ومن ثم فتح طريق أمام عناصر داعش لاستهداف تركيا من الداخل وإشعال نيران الفتنة الداخلية، ولكن تركيا تحدت تلك الانفجارات وتغلبت عليها، فضغطت هذه القوات على زر الانقلاب الذي نُفذ بواسطة منظمة غولن الإرهابية، إلا أن مساعيهم خابت كذلك.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!