ترك برس

ساهمت محاولة الانقلاب في تغيير الكثير من المسارات على الصعيدين التركيين الداخلي والخارجي، أبرزها العلاقة الموجودة بين الحكومة والمعارضة، إذ تحولت علاقة النزاع السياسي والتراشق الإعلامي المستمر إلى علاقة ود يتحرك في إطارها الطرفان بشبه اتفاق على المسار.

لم يقتصر التوافق المذكور على تقارب حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، بل اتسع نطاقه ليشمل حزب الشعب الجمهوري الذي شارك بثقله الشعبي الضخم في مهرجان "يني كابي" لتأبين الشهداء والاحتفال بحماية الديمقراطية، على حد ما يُشير إليه الخبير السياسي يونس إيمرة الذي يبيّن أن وقوف حزب الشعب الجمهوري إلى جانب الحكومة المنتخبة غيّر الصيغة الطافية على السطح منذ الستينيات: حزب الشعب الجمهوري زائد الجيش يساوي حكومة سياسية لحزب الشعب الجمهوري المساندة للجيش، حيث دلّ موقف حزب الشعب الجمهوري المساند للحكومة على أن حزب الشعب الجمهوري لم يعد ذلك الحزب الداعم للانقلابات.

وحول وضع حزب الشعب الجمهوري ما بعد 15 تموز/ يوليو، يذكر إيمرة، الذي كان يشغل منصب رئيس الذراع الشبابي لحزب الشعب الجمهوري، أن الحزب نال تعاطفًا شعبيًا مشهودًا بعد موقفه السياسي الداعم للحكومة إبان محاولة الانقلاب وما بعدها، مشيرًا إلى أن الحزب بموقفه هذا فنّد نظرية الغرب الذي يدعي بأن النظام في تركيا هو نظام دكتاتوري، وأثبت أن وقوفه إلى جانب الحكومة نابع من كونها حكومة ديمقراطية.

ويوضح إيمرة أن الغرب أصيب بخيبة أمل شديدة بسبب فقدانه لأي دعم شعبي للانقلابات التي يقوم بها، فحتى القاعدة الشعبية التي كانت تنتفض لتطالب بتدخل الجيش تراجعت عن هدفها متجهة نحو دعم الحكومة، "فحظًا أوفر للغرب في أي قاعدة شعبية تركية يستند عليها في انقلاباته بعد اليوم".

وأكّد إيمرة في مقاله على الجزيرة ترك "15 تموز، حزب الشعب الجمهوري والمتغيّرات" أن موقف حزب الشعب الجمهوري إزاء محاولة الانقلاب ودعمه لحكومة حزب العدالة والتنمية وضعا نقطة قوية في تاريخ الاستقطاب المستفحل المسيطر على الساحة التركية منذ عشر سنوات، وأن الحزب وقف وسيقف إلى جانب حزب العدالة والتنمية، ولكن هذا لا يعني دعمه التام كما يفعل حزب الحركة القومية، وذلك لأن الشعب الجمهوري محكوم بالأيديولوجية اليسارية التي تضطره للاختلاف مع بعض تحركات حزب العدالة والتنمية، كاعتراضه على استهداف وحدات الحماية الشعبية اليسارية في شمال سوريا.

وبحسب إيمرة، فإن تطورات التوافق الجاري ستؤثر سلبًا على احتمال الفوز الدائم لحزب العدالة والتنمية الذي استفاد كثيرًا من الاستقطاب السياسي والمجتمعي، ودائمًا ما كان يحمل المعارضة الذنب في عدم القدرة على إجراء تغييرات جذرية لعدم اكتمال النصاب في البرلمان، ولكن الآن في ظل اتخاذ الأحزاب خطوة نحو سياسة التقارب والمشاركة الفعلية، سيعود أنصار حزب الشعب الجمهوري وكذلك أنصار حزب الحركة القومية لانتخاب أحزابهم، بعد غضبهم تجاههم لتغذيتهم سياسة الاستقطاب التي حالت دون إيجاد تأثير فعلي لهم على تحرك حزب العدالة والتنمية، للضغط عليه لاتخاذ القرارات التي تلائم كل أو معظم الرؤى الشعبية التركية.

ومع الانفراج السياسي الداخلي بين الأحزاب، تواجه أحزاب المعارضة نقاشات حادة داخل أروقتها، إذ ستظهر تساؤلات عدة حول الأساليب التي سيتم اتباعها في الحملات الانتخابية الانتخابية الجديدة بعيدًا عن الاستقطاب السياسي والتراشق الإعلامي الحاد، على حد ما يوضحه إيمرة الذي يؤكّد أن الأحزاب السياسية المعارضة خاوية من الدعايات السياسية والاقتصادية التنموية والتقدمية وليس مهاجمة الحزب الحاكم.

وأضاف إيمرة أن سياسة حزب الشعب الجمهوري تجاه المكون الكردي المسلح في جنوب شرقي تركيا وشمالي سوريا، تغيّرت بفعل الأجواء الشعبية الداعمة للوحدة الشعبية ومن ثم التدخل التركي المفاجئ والسريع في شمال سوريا، موضحًا أن حزب الشعب الجمهوري انتقد تحركات حزب العمال الكردستاني وذراعه السوري بشكل واضح، وإن عاد لمطالبة الحكومة بعدم استهداف المسلحين الأكراد في شمال سوريا، إلا أن لم يستمر في ذلك بعد تعرض زعيمه لمحاولة اغتيال من قبل عناصر العمال الكردستاني.

وختامًا، ذكر إيمرة أن حزب الشعب الجمهوري سيواصل دعمه للحكومة، على الرغم من تعرضه لضغوط خارجية، رغبةً منه في توسيع قاعدته الشعبية بواسطة ذلك.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!