
الصورة من تفجير إرهابي اتُّهم بي كي كي بتنفيذه في ماردين جنوب تركيا
ترك برس
شهدت الساحة التركية دعمًا متكررًا من قبل أكاديميين وكُتاب ومحللين يساريين لحزبي العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي اللذَين تصنفهما الحكومة التركية في قائمة الإرهاب. هؤلاء الكُتّاب وصفهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "بالمندسين وغير الوطنيين"، وقال إن الحكومة التركية لن تقف مكتوفة الأيدي أمام من يدعم الإرهاب مهما كان موقعه.
وفي هذا الصدد، كتب الباحث السوري الكردي اليساري "جهاد حامي"، في مقاله "تركيا والرؤى السياسية" المنشور على موقع "أوبين ديموكراسي" بتاريخ 20 آب/ أغسطس 2016، أن هناك رؤيتين سياسيتين تركيتين في الوضع الحالي: الأولى دكتاتورية والثانية ثورية، مشيرًا إلى أن ثمة تنافسًا محتدمًا في الرؤى السياسية في تركيا، ففي طرف الرؤية الأولى نرى كارل شميت تركيا ممثلًا بأردوغان، أما في طرف الرؤية الثانية فنرى الثوريين المنتفضين ضد الدكتاتورية الأردوغانية التي تحاول نفي كل من يتعارض مع فكرها وتوجهها، وبحسب حامي، عبد الله أوجلان هو القائد "المُلهم الموجه" لسفينة الثوريين.
وتعليقًا على ذلك، قال الخبير السياسي "علي بالجي" إن حامي الباحث اليساري يرمي إلى إقناع الغرب بأن أوجلان القائد الشهم خرج بحزب العمال الكردستاني لمحاربة الميول الدكتاتورية للحكومات التركية المتتالية، والتي كان ختامها حكومة حزب العدالة والتنمية الأكثر دكتاتورية على الإطلاق على حد وصفه، موضحًا أن المواطن التركي والغرب أمام خيارين اليوم: أما خيار الدكتاتورية المظلمة أو خيار الثورة والحرية والديمقراطية.
وعطفًا على تعليق بالجي، يُعتبر تصوير حامي، الذي ترفضه شريحة كبيرة من الشعب التركي وتعتبره عاري عن الصحة، هو الرؤية التي يتبانها بعض أتباع الفكر اليساري في تركيا وخارجها. يطرح بالجي تساؤلين مفادهما: هل حامي هو الشخص الوحيد الذي يقدم بهذا التحليل ويتنى رؤيته؟ كيف يقبل موقع أوبين ديموكراسي بنشر التحليل المذكور على أنه مستقل وصحيح؟
يجيب بالجي بأن رؤية حامي تمثل الطيف اليساري بأكمله، لا سيما اليسار الغربي المعادي لأردوغان وحكومته، موضحًا أن المفكرين اليسارين "دافيد هارفي" و"سلافوج زيزاك" هما المسند الأساسيين للكتابات اليسارية التي تعبر عن عدائها بوضوح للنجاحات الجارية في تركيا.
ويوضح بالجي أن الطرف اليساري يصور جرائم الإرهابيين على أنها ثورة من أجل الديمقراطية والحرية، محاولًا في ذلك الاستفادة من المواقع والصحف الغربية التي تكن وحكوماتها العداء لتركيا التي خرجت عن طوعها، مشيرًا إلى أن تركيا التي وهبت مواطنيها الأكراد حقوقًا سياسيةً واقتصاديةً واجتماعيةً لم تمنحها أي دولة لأقلياتها دولة دكتاتورية ومظلمة، وهنا تبرز ازدواجية المعايير اليسارية، فهي نابعة عن الايديلوجية التخريبية وليست الثورية، فتركيا التي تحاول حماية حدودها القومية من الزوال وتسعى لحماية مواطنيها من الظلم والقتل باسم الحرب من أجل الحرية الزائفة تُتهم بالدكتاتورية، لا يوجد تخلف في الفكر بعد هذا التخلف.
وحول التساؤل الآخر، كيف يسمح موقع إخباري ومواقع إعلامية أخرى لمنظمات إرهابية بالحصول على ساحة واسعة لترويج لنفسها وفكرها، ينوّه بالجي إلى أن اليساريين يحملون الفكر اللاديني ويترققون لكل شخص يمكن أن يدعمهم بصرف النظر عن لونه وعرقه وفكره، ليستفيدوا منه لو بالقليل، فالفكر الميكيافيلي هو الأساس للإيديولوجية اليسارية، ومع استفادة الغرب من الهجمات الإعلامية الشعواء بحق تركيا، فإنه يسمح وبصدر رحب لليساريين أن يستخدموا كافة وسائل الإعلام.
وأكّد بالجي أن بعض اليساريين يحرصون على استخدام أسلوب اللغة المبهمة، أي اللغة التي لا تصوّر المضمون بل الإطار، موضحًا أنهم يرددون شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق الأمن الغذائي والاجتماعي إلخ، ولكن دون التطرق إلى فحوى فكرهم المتشدد الذي لا يختلف قيد أنملة عن أي منظمة إرهابية متشددة أخرى، فرسم الإطار يجذب الكثير لهم، ولا بد من الاعتراف أنهم بارعون في رسم ذلك الإطار لدرجة أنهم تمكنوا من إقناع معظم وسائل الإعلام الغربية وحكوماتها أنهم يحاربون من أجل الحرية، أم أن الغرب يعي حقيقتهم ويدعمهم هو الآخر بشكل براغماتي؟
ومن جهته، استنكر رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم احتضان الغرب لعدد كبير من قيادات حزب العمال الكردستاني والسماح لعناصره بتنظيم المؤتمرات الدعائية هناك، مشيرًا في تصريح له في الاجتماع الأسبوعي لحزب العدالة والتنمية، في 16 أغسطس 2016، إلى أن الذي يحتضن الإرهابيين يجب عليه ألا يعطي الأوامر التوجيهية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان للحكومة التركية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!