جلال سلمي - خاص ترك برس

يتمحور هدف رؤية 2023، حسب ما أوضحه زعيم حزب العدالة والتنمية السابق ورئيس الجمهورية التركية الحالي رجب طيب أردوغان، حول ترسيخ نظام سياسي ديمقراطي نموذجي ورخاء اقتصادي مزدهر ونشاط دبلوماسي حيوي يجعل تركيا إحدى الدول الكُبرى على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

أعلن أردوغان عن رؤية حزبه عام 2012، تحت شعار "أمة كبرى وقوة عظمى"، موضحًا أن حزبه يرمي لتحقيق الرؤية المذكورة من خلال قطع شوطًا طويلًا من التطور في الجانب الاقتصادي والسياحي والصحي والنقل والمواصلات والسياسة الخارجية.

وينقل المحلل الاقتصادي "علي رضا" أسس الرؤية عبر مقاله "هدف تركيا 2023، ما بين آمال المستقبل وتحديات الحاضر" المنشور عبر موقع ساسة بوست، موضحًا لها على النحو التالي:

1ـ الجانب الاقتصادي:

ـ الارتقاء بالاقتصاد التركي ليصل إلى قائمة أعلى 10 اقتصادات على مستوى العالم.

ـ رفع الناتج المحلي التركي إلى 2 تريليون دولار أمريكي سنويا ً.

ـ رفع دخل المواطن إلى 25 ألف دولار أمريكي سنويًا.

ـ خفض معدلات الباطلة لتصل إلى نسبة 5%.

ـ زيادة نسبة التجارة الخارجية لتصل إلى تريليون دولار سنويا ً.

2ـ الجانب السياحي:

ـ استقطاب 50 مليون سائح سنويًا.

ـ زيادة عائد السياحة سنويا ً إلى 50 مليار دولار سنويًا.

ـ جعل تركيا وجهة من أهم وجهات سياح العالم بل جعلها من أفضل 5 دول جاذبة للسياح.

3ـ النقل والمواصلات:

ـ إنشاء خطوط سكك حديد جديدة لتصل إلى 11 ألف كيلومتر.

ـ إنشاء المزيد من الطرق المّزدوجة.

 ـ الاهتمام بالموانئ بشكل خاص، نظرًا لموقع تركيا البحر المميز الذي يربط بين قارتي أسيا وأوروبا ويفصل بينها وبين أفريقيا البحر المتوسط.

ـ بناء مطارات جديدة وتوسع المطارات الحالية.

4ـ السياسة الخارجية:

ـ دخول تركيا إلى الاتحاد الأوروبي بحلول عام 2023.

ـ لعب دور أساسي في حل النزاعات والخلافات الإقليمية.

ـ الدخول ضمن أقوى 10 اقتصادات في العالم بحلول 2023.

في ضوء الأهداف المرسومة هل يوجد مؤشرات أو عوامل توحي بإمكانية تحقيق تركيا لهذا الهدف، وإن وجدت ما هي؟

نعم يوجد عدد من العوامل التي تنم عن إمكانية إحراز تركيا لم تخطط له، ولكن ليس العوامل أو المؤشرات وحدها هي الكافية لحسم الأمر، بل أن استمرار هذه المؤشرات ومدى سرعة وتيرتها هما العاملان الأساسيان في تحديد نجاح تركيا أو إخفاقها في إنجاز ما تسعى إليها.

العوامل أو المؤشرات التي ستساهم في إكلال الرؤية بالنجاح:

ـ القدرة على مقاومة الهجمات الخارجية: تعرضت تركيا في الآونة الأخيرة للعديد من الهجمات الإرهابية التي تلاها محاولة انقلاب خطيرة جدة، ولكن أثبتت في أكثر من مرة قدرتها على مجابهة جميع المخاطر، وتحركها نحو شمال سوريا لتطهيرها من داعش وطرد قوات البي ي د الكردية كان برهانًا جليًا على قوتها. هذه القوة تشير إلى قدرة تركيا على توفير الاستقرار السياسي على الصعيدين الداخلي والخارجي.

ما تحتاجه المشاريع الاقتصادية التنموية والاستثمارية بشكل أساس هو الاستقرار السياسي، وضلوع تركيا في رفع وتيرته من خلال عدة عمليات أمنية وعسكرية موسعة ومن خلال الرجوع إلى سياسة تصفير المشاكل ورفع مستوى التعاون الدبلوماسي مع جميع الدول يُشير إلى أن استتبابه التام بات قريبًا، وهذا ما سيحمل تركيا إلى رؤيتها، فالاستقرار السياسي يجذب المستثمر والسائح والمورد والمساهم وكل ذي علاقة بالعمل الاقتصادي الذي يثمر ويرفع قيمة الناتج القومي والميزانية العامة.

إلى جانب ذلك، تعتبر عملية درع الفرات العسكرية من أهم التحركات التي ستعود على السياسة الخارجية التركية بالنشاط المكوكي، إذ سيظهر لتركيا تأثيرها في حل الأزمة السورية العالقة منذ 5 سنوات، وهذا سيحسب في رصيد تركيا الدبلوماسي المتنامي إلى جانب الأنشطة الدبلوماسية الأخرى.

ـ مشروع أوبور الصيني: تركيا هي أحد الدول المشمولة بمشروع أوبور الصيني التمويلي التجاري الاستثماري. تهدف الصين من خلال هذا المشروع إلى ضم 33 دولة محاذية لبعضها البعض جغرافيًا وتوفير صندوق تمويلي لها بميزانية بلغت 21 تريليون. تحقيق الرؤى الاقتصادية يحتاج إلى جانب الاستقرار السياسي مشاريع اقتصادية تنموية اندماجية متكاملة ومترابطة. توفر هذه المشاريع الدخل المديد لكافة الدول المشتركة بها لكونها قائمة على عملية تبادل تجاري متكاملة نسبيًا، أي كما توضح نظرية "الميزة النسبية لديفيد ريكاردوا، والتي تنص على أن اجتماع تجارة الدول في إطار تكاملي؛ أي تصدر كل دولة ما هي متفوقة به نسبيًا مقارنة بالدولة الأخرى، يزيد من حجم التبادل التجاري وبالتالي من الدخل القومي.  وكما أن كونها قائمة على الترابط فذلك سيدفع جميع الدول المشاركة إلى التكاتف لتوفير الاستقرار السياسي المشترك.

في هذا الصدد، يوصف هذا التكامل باسم "التنمية المتزنة المتكاملة" التي تُبنى على تنمية غير متزنة على الصعيد المحلي للدول، أي أن نقص الموارد الاقتصادية تحول دون تمكين الدول من بناء تنمية متزنة متكاملة على صعيدها الداخلي. الاتزان التكافلي يغطي فراغ التنمية الغير متزنة ليجعلها كاملة متكاملة لصالح جميع الدول المترابطة. هذا التكامل سيعود على تركيا أيضًا بالفائدة الهائلة التي ستمكنها من تحقيق أهدافها التنموية المنشودة، والتكامل الأوروبي المؤسس في إطار نظرية "المجموع الموجب"؛ أي أن جميع المتعاونين رابحين، جعل الدول الأوروبية من أكثر الدول المتطورة في العالم، وبات أكبر دليل واقعي على فعالية مشاريع التكامل في إحراز التنمية وجعل الدول المشاركة فيه في مصاف الدول الأقوى اقتصاديًا في العالم.

في هذا السياق، يتوقع أن تكون تركيا المحطة الأخيرة في خط سكك توزيع البضائع الصينية وبضائع الدول الأخرى التي يمر منها الخط، وهذا ما سيجعلها محطة توزيع سلع على منطقتي الشرق الأوسط والبلقان من خلال طريق الحرير التاريخية، وبذلك ستكون مركز لتجميع الضرائب الجمركية الوفيرة، فضلا ً عن العدد الضخم لفرص الأعمال والخبرة اللتان ستوفرهما لأيديها العامة.

يرى زعيم الثورة البلشفية "فلاديمير لينين" أن نمو الاقتصاد منوط بشبكات السكك الحديدية والصناعة الثقيلة، وكون تركيا ستصبح صاحبة محطة في أكبر شبكة نقل سلع حول العالم، فذلك يعني أن نصيبها في النمو والتطور سيكون وفير.

يسود العالم اليوم ما يُسمى بتجارة إنتاج المنتج البينية أو التجارة الجزئية، حيث يتم إنتاج سلع ما في أكثر من دولة. الترابط الجغرافي والاقتصادي الذي سيدمج تركيا ب 32 دولة سيلبي حاجاتها في تأمين المواد التي تحتاجها في الصناعات الثقيلة ذات العائد الاقتصادي الوافر.

 إلى جانب ذلك، ستحظى تركيا من خلال هذا المشروع بصندوق تمويل تشاركي بشروط مرنة معاكسة لشروط صندوق النقد والبنك الدوليين الصارمة والضارة للدول المستقرضة، حيث سيمكنها تمويل الكثير من مشاريعها الاستثمارية بأدنى فائدة وألين الشروط.

ـ مركز رئيس لنقل الطاقة حول العالم: تحتضن تركيا بين أحشائها 8 خطوط لنقل الطاقة ويتوقع أن يرتفع عدد هذه الخطوط إلى 15 بعد فترة من الزمن. مشاريع نقل الطاقة أيضا ً تصنف في مصاف المشاريع التكاملية المترابطة، حيث تتشكل من دول طلب ودول عرض ودولة ممر. دولة الممر هنا تركيا التي ستصبح دول متحكمة بصنابير الطاقة العالمية. ستحرص دول الطلب "الاتحاد الأوروبي خاصة" ودول العرض على استقرار تركيا السياسي، كون أي زعزعة تصيبه ستضر بمصالحهم الاقتصادية بشكل مباشر.

 ستدر هذه المشاريع على الخزينة التركية بمجموعة ضخمة من الضرائب وأجر التشغيل والنقل التي ستحقق فائض في الميزانية التركية. بلغت مصاريف الميزانية التركية لعام 2016 190 مليار دولار، أما دخلها فبلغ 180، أي أن الميزانية التركية تعاني من عجز بمقدار 10 مليار دولار. ما ترغب به تركيا هو الميزانية الفائضة التي تكفل تنفيذ مشاريع التنمية المنشودة، وستنال ما ترغب به من خلال عوائد مشاريع التكامل المذكورة.

ـ المطار الثالث: سيكون المطار الثالث الميناء الجوي الرابط بين قارات العالم القديم، أي كم هائل من الرحلات التحويلية "ترانزيت" ستمر منه. يتوقع، حسب صحيفة ميلييت، أن يبلغ عائد رحلات المطار الثالث على تركيا 0.542 مليار يورو، فضلًا عن الدخل الذي ستجنيه من المسافرين الذين سيلجؤون إلى خداماتها من إقامة مؤقتة وتناول الطعام وغيرها، ولا يمكن إغفال حجم فرص العمل التي ستحظى بها الأيدي العاملة التركية.

هذه المشاريع ستعود على تركيا بالدخل المنهمر، وستجعل منها فعلًا مركزًا رئيسيًا ودولة كُبرى سياسيًا واقتصاديًا حول العالم، والخطوة الأهم في ضوء ذلك هو تركيز تركيا على توظيف الدخل في مشاريع تشغيلية استثمارية تنموية تساهم في جذب المستثمرين والمساهمين، ورفع حدة نشاطها الدبلوماسي الدولي على الصعيدين الناعم والخشن "العسكري" إن احتاج الأمر كما حدث في شمال سوريا.

عن الكاتب

جلال سلمي

صحفي وباحث سياسي


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس