مراد يتكين - صحيفة حرييت - ترجمة وتحرير ترك برس

"إن الأمريكيين لا يسلكون الطريق الصحيح إلا بعد أن يسيروا في كل المسالك الخطأ". من المستحيل عدم استدعاء هذا الاقتباس بعد سماع حديث وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في اجتماعات مجلس الأمن الدولي يوم الحادي والعشرين من سبتمبر/ أيلول، موجها كلامه إلى وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، حول إيقاف الطيران الروسي والسوري خلال توصيل المساعدات الإنسانية إلى مناطق معينة. كان كيري يقترح  عمليا منطقة حظر طيران مؤقت في سوريا تقتصر على توصيل المساعدات الإنسانية، وهو المطلب الذي دعمته ألمانيا.

اقتراح كيري ليس الاقتراح نفسه الذي طرحته تركيا منذ عام 2012 ، بوصفه وسيلة لاحتواء الحرب الأهلية السورية، وإنما هو نسخة مصغرة منه.

ولهذا السبب استدعيتُ هذا الاقتباس المعروف (مثل معظم الاقتباسات السياسية الحكيمة عبر التاريخ البشري) الذي ينسب غالبا بطريق الخطأ إلى وينستون تشرشل. الاقتباس الأصلي كان على النحو التالي: الرجال والدول تتصرف بحكمة عندما تستنفد جميع الوسائل الأخرى"  وقالها وزير الخارجية الإسرائيلي أبا إيبان خلال زيارته لليابان عام 1971.

نوقش اقتراح منطقة حظر الطيران أو المنطقة الآمنة لأول مرة في اجتماع عقد في أنقرة بين مسؤولين أتراك وأمريكيين في ال 23 من أغسطس/ آب عام 2012، في وقت بدأت فيه سيناريوهات ما بعد الأسد تطرح على جدول الأعمال. الاجتماع الذي حضره دبلوماسيون ومسؤولون عسكريون واستخباراتيون كان قد خُطط له خلال اجتماع بين وزير الخارجية التركي في ذلك الوقت أحمد داود أوغلو،ووزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون، في 11 من أغسطس.

وعد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الاقتراح بأنه يستحق العمل، بعد أن زار مخيمات اللاجيئين في كيليس على الحدود السورية برفقة داود أوغلو في 17 من أغسطس.

كانت الفكرة إنشاء منطقة آمنة للفارين من الاشتباكات في الأراضي السورية، بحيث لا يتدفق اللاجئون إلى الدول المجاورة، مثل تركيا والأردن ولبنان. وقد اقترحت هذه الفكرة أيضا بوصفها إجراء وقائيا لتجنب امتداد الحرب الأهلية.

في مقابلة مع صحيفة حرييت في ذلك الوقت، أشار داود أوغلو إلى أن عدد اللاجئين السوريين في تركيا وصل إلى 80 ألفا، وإذا وصل العدد إلى مائة ألف، فإن ذلك سيخلق مشاكل خطيرة لتركيا، ويجب معالجتها بالتعاون الدولي.

اعترضت روسيا مدعومة بالصين على الفكرة فورا. وكان واضحا أنه لن يصدر قرار عن مجلس الأمن الدولي بشأن فرض منطقة حظر طيران أو منطقة آمنة في سوريا بتفويض من الأمم المتحدة. كانت هناك انتخابات تنتظر إدارة أوباما في نوفمبر/ تشرين الثاني، ولم ترد واشنطون أن تتورط في المستنقع السوري، وهو ما يعني فعليا الدخول في مواجهة مع روسيا.

في ذلك الوقت لم تكن الدولة الإسلامية في العراق والشام قد ظهرت إلا حيز الوجود بعد، حيث أُعلن عن إنشائها في عام 2013. وبالتالي لم تكن داعش قد احتلت الرقة والموصل، ولم يكن إرهابيو داعش قد بدؤوا في نشر عنفهم اللا إنساني في جميع أنحاء العالم.

 لم يكن عدد القتلى قد وصل إلى عُشر ما وصل إليه حاليا 470 ألف قتيل، ولم يكن عدد اللاجئين قد وصل إلى الرقم الذي وصل إليه الآن 6 ملايين لاجئ، ثلاثة ملايين منهم في تركيا.

وخلاصة القول أنه إذا كان العالم يعود الآن إلى المربع رقم واحد – منطقة حظ جوي فوق سوريا لحماية اللاجئي والمحتاجين إلى المساعدات الإنساني، فلماذا يا تُرى ضاعت هذه السنوات الأربع بالغة الأهمية، وسط إزهاق مئات الآلاف من الأرواح، وتشريد الملايين، وتدمير بلد ، وظهور واحدة من أسوأ المنظمات الإرهابية في التاريخ؟

كرر الرئيس، رجب طيب أردوغان، الذي كان رئيسا للوزراء منذ أربع سنوات، الاقتراح نفسه قبل يومين من كلمة كيري أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة.

من المعروف أن روسيا تعتقد أن إقامة منطقة آمنة لن تكون وصفة للسلام في سوريا. ربما يكون ذلك صحيحا، لكن هذه المنطقة الآمنة يمكن أن تكون صيغة لإنقاذ المزيد من الأرواح، وتهدئة الأجواء قليلا.

على أن التقارب بين أنقرة وموسكو بشأن العملية التركية ضد داعش في سوريا مؤشر على أن هناك بعض الأمل في هذه المرة في إيجاد أرضية مشتركة. 

عن الكاتب

مراد يتكين

كاتب في صحيفة راديكال


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس