متين غورجان - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

ما هو تفكير أنقرة الاستراتيجي حول معركة الموصل في العراق، في الوقت الذي توجه فيه تركيا ضربات جوية للأكراد المدعومين من الولايات المتحدة في سوريا؟ هناك حقيقة لا ريب فيها وهي أن أنقرة ترغب بشدة في أن تكون حاضرة في الموصل عندما تختلط الأوراق في العراق.

قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان في السابع عشر من أكتوبر/ تشرين الأول، ردا على إنذار رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، بأن الجنود الأتراك لا يمكن أن يدخلوا الموصل "كيف تطلبون منا البقاء خارج الموصل؟ لنا حدود مع العراق بطول 350 كم. من ليس لهم علاقة يدخلون الموصل، لماذا؟ لأنه يفترض أن بغداد قد دعتهم... سنكون داخل عملية الموصل وعلى طاولة المفاوضات".

في اليوم التالي نشرت صحف مقربة من حزب العدالة والتنمية تصريح أردوغان في عناوينها الرئيسة، ومن ثم فقد جعل أردوغان الموصل قضية سياسية داخلية مهمة في تركيا.

اندلعت الأزمة الأولى بين أنقرة وبغداد في ديسمبر/ كانون الأول الماضي بسبب قرار تركيا تعزيز وجودها في بعشيقة في العراق بالقرب من الموصل. كتبت في مقالي في السابع من ديسمبر أن هدف أنقرة هو إقامة مركز قوة سني مستقل في الموصل يضم حكومة إقليم كردستان برئاسة مسعود البرزاني والتركمان.

موقف الولايات المتحدة من الأزمة بين أنقرة وبغداد شديد الوضوح. وفي الوقت نفسه تريد أنقرة تكرار عملية درع الفرات التي مكنتها من العودة إلى الساحة السورية، وفي هذه المرة في العراق باسم "درع دجلة"، لكن الوضع هناك يختلف جذريا. قرر التحالف الدولي أن يقتصر تحرير الموصل حصرا على تحالف القوات التي تقودها الولايات المتحدة ضد داعش، والقوات العراقية.

يريد الجيش الأمريكي الحفاظ على القوات البرية التي تمكن من ترقيعها لأكثر من عام، ولا يريد أن تؤثر الأزمة بين بغداد وأنقرة عليها. قال المتحدث باسم البنتاغون، بيتر كوك، إن مشاركة تركيا في عملية الموصل ينبغي أن تعالجها أنقرة وبغداد.

وبالنظر إلى انتشار القوات في ساحة المعركة، فإن الهدف الاستراتيجي لعملية الموصل هو دفع داعش شرقا، حيث لا توجد هناك قوة برية للتحالف، وتوجيه داعش نحو سوريا على محور تل عفر – سنجار. وبالطبع خلال هذا التحرك ستتعرض قوافل داعش لهجمات جوية عنيفة من قوات التحالف.

ومن أجل فهم أفضل لموقف تركيا في الموصل، نحتاج إلى النظر إلى الوجود العسكري التركي في العراق. منذ بداية الألفية الجديدة احتفظت تركيا بكتيبتي دبابات في قاعدة بيرمان الجوية السابقة جنوبي المدينة . ولتركيا أيضا كتيبة كوماندوز في أنيماس على الحدود العراقية، ودبابتان لحماية القوات الموجودة في بعشيقة، بالإضافة إلى كتيبة كوماندوز، وست فرق من القوات الخاصة المكلفة بالتدريب، ومهمات الإمداد. تحتفظ تركيا أيضا بمكاتب ارتباط للقوات الخاصة في عشر مدن بإقليم كردستان، لا سيما في أربيل ودهوك وزاخو. هذا الوجود العسكري كله لا يمكن أن ينضم إلى عملية الموصل. ستقتصر مشاركة الجش التركي في الوقت الراهن على أربعة مدافع هاوزر عيار 155 مم من مدى 40 كم تطلق من مقرها في قاعدة بعشيقة.

ما هو الوضع اليوم ؟

معسكر بعشيقة الذي يستوعب ما بين 5000 إلى 6000 جندي تركي ، ومدافع هاوزر، وصواريخ ستينجر المضادة للطائرات، ودبابات وعربات مدرعة أخرى، هو الآن في أعلى درجات التأهب. قالت مصادر في أنقرة للمونيتور إن أنقرة تريد أن يلعب معسكر بعشيقة الدور الرئيس في الهجوم على الموصل من الشمال. وأشارت هذه المصادر إلى أنه منذ بداية عملية الموصل لم يطلب أحد منهم استخدام أي قاعدة تركية لشن هجمات جوية، وأن أيا من عناصر القوات الجوية التركية لم يشارك في الهجمات الجوية، ولم تطلق نيران المدفعية من بعشيقة. من الواضح أن أنقرة منزعجة للغاية من عدم المشاركة في الهجمات الجوية على الموصل. أكثر ما تريده أنقرة هو المشاركة الفعالة للحشد الوطني من نينوى الذي يتكون من قرابة 3000 من العرب السنة والتركمان والأكراد بقيادة أثيل النجيفي، محافظ نينوى السابق.

تريد أنقرة من خلال الحشد الوطني، الذي ترى أنه قوة موازنه لعملية الموصل بالهجوم من الشمال، أن تعترف بغداد وطهران بدور تركيا.

تعتقد أنقرة الآن أن المقترحات التركية تؤخذ في الحسبان، وتقول مصادر إن مشاركة الحشد الوطني من نينوى وقوات البيشمركة الكردية في الهجوم الأكبر على الموصل قد حظى بالموافقة. سيشارك نصف قوات الحشد الوطني في التوجه إلى وسط الموصل، بينما يبقى النصف الآخر قوة احتياطية في الخارج.

أُبلغ المبعوثون الأمريكيون أيضا بتحفظات تركيا على عملية الموصل. ترفض تركيا أي مشاركة لحزب العمال الكردستاني جزءا من قوات البيشمركة أو من وحدات المقاومة الأيزيدية في سنجار المرتبطة بالحزب. وتقول المصادر إنها تلقت تأكيدات من الولايات المتحدة بأن حزب العمال الكردستاني لن لن يشارك بأي شكل من الاشكال في العملية سواء تحت علم الحزب الخاص أو تحت غطاء منظمة أخرى.

العقدة السياسة لعملية الموصل هي نوع الحكم الذي سيقوم في المدينة بعد العملية، فكل قوة في المنطقة لديها هدف مختلف: حكومة كردستان العراق تريد السيطرة على شمال الموصل، وحزب العمال الكردستاني يحلم بإقامة كيان في سنجار، والنجيفي يريد استعاده زعامته المفقودة في الموصل، والعرب الشيعة يرون في السيطرة على الموصل جزءا من كفاحهم للسيطرة على السلطة في المنطقة، الأمر الذي يمكنهم من السيطرة على المدينة بدعم من الولايات المتحدة.

وتتلخص خطوط أنقرة الحمراء فيما يلي: أي موجة لجوء جماعية، ودخول الميليشيات الشيعية إلى وسط الموصل والإساءة إلى سكانها، وعدم السماح لحزب العمال الكردستاني بالتسلل تحت لواء وحدات الحماية الأيزيدية في سنجار.

إذا رأت أنقرة أن هذه الخطوط قد تجوزت، فيمكنها أن تتحول إلى الخطة باء، حيث سيعلن البارازاني والقبائل العربية السنية في الموصل "أن ميزان القوى يتغير" وأننا "ندعو تركيا للموصل" وبالتالي تتولى تركيا دورا أكبر في الميدان مدعومة بشرعية مثل هذه الدعوة. في السادس عشر من أكتوبر/ تشرين الأول أصدرت بعض القبائل العربية السنية التي اجتمعت في أربيل بيانا يدعو تركيا إلى المجئ إلى الموصل، لكن هذا البيان لم يحظ بتغطية كبيرة.

تشعر تركيا أن عملية درع الفرات في شمال سوريا استعادت مكانة تركيا بوصفها لاعبا رئيسا هناك، ولذلك فإن خطة تركيا جيم في العراق هي نسخة مطابقة لدرع الفرات ولكن في شمال الموصل. إذا لم تنجح  خطتا تركيا ألف وباء، فإن أنقرة تخطط لبناء منطقة عازلة لمسافة 10 كم على غرار ما فعلته في سوريا.

في السابع عشر من أكتوبر تراس وكيل وزارة الخراجية التركي أوميت يالين، وفدا دبلوماسيا في زيارة لبغداد لمناقشة وضع القوات التركية في بعشيقة، وعملية الموصل الجارية حاليا. وقالت مصادر في أنقرة إن المهمة الحقيقة للوفد هي شرح خطة أنقرة جيم بالتفصيل. تريد أنقرة أن تفهم بغداد وواشنطن أن الخطة جيم جدية وبالإمكان تنفيذها.

هل سيقاوم داعش؟

أولا بعض الحقائق الأساسية: خلال العام الماضي كان داعش يواجه نقصا في الموارد المالية، وتراجع أعداد المقاتلين الأجانب، وفقدان 40% من الأراضي التي سيطر عليها في العراق، و20% من الأراضي في سوريا، وتراجع شعبيته المحلية، وتوسع التحالف المناهض له الذي صار قوة على الأرض.

وعلى ذلك ما هي الخيارات المتاحة أمام داعش في ظل هذه الظروف المتردية؟

الخيار الأول على مراحل، بانسحاب مؤقت مع نية العودة مرة أخرى للمدينة. إذا كان داعش لا يزال يحتفظ بقدرته على التخطيط المركزي، فيمكنه أن ينسحب من وسط المدينة على مراحل دون تكبد خسائر كبيرة، وذلك باتخاذ إجراءات مشددة ضد التحالف، مثل استخدام الأسلحة الكيماوية، وإعدامات جماعية للسجناء في سجونه. ولن يكون قصد داعش من ذلك التخلي تماما عن الموصل، ولكن إعداد مرحلة لهجوم ثان على المدينة.

الخيار الثاني أمام داعش هو المقاومة حتى النهاية، ما يعني المخاطرة بحرب مدن مدمرة طويلة. هذا السيناريو يمكن أن يحدث إذا دخل الجيش العراقي المدينة باستعراض للقوة، الأمر الذي سيقلب السكان عليه. يتذكر العرب السنة كيف واجهوا مشاكل العودة إلى صلاح الدين والأنبار بعد طرد داعش منهما بسبب الإجراءات التعسفية والقمعية التي اتخذتها الميليشيات الشيعية. لا يصدق معظم السنة جميع رسائل التهدئة والتطمين التي أرسلتها حكومة بغداد. ولا تساعد التصريحات غير المسؤولة التي يدلي بها قادة الميليشيات الشيعية الإجرامية في تهدئة مخاوفهم.

نرى الآن أن داعش ليس نهاية العالم مثلما صور لنا. ومع ذلك فإن داعش بوصفه قوة منظمة، يتوقع أن يحافظ على تماسكه، وأن يقاوم بأقل الخسائر، وأن يختبئ في الموصل. إذا أخذت اشتباكات الموصل الطابع الطائفي، فإن السكان المحليين الذين لا يؤيدون داعش عادة قد يقررون دعمه ضد الميليشيات الشيعية، وبالتالي تعزيز قدرة التنظيم على الدخول في حرب مدن على المدى الطويل.

ومن أجل فهم خطورة الوضع، يتعين على المرء أن ينظر إلى الأنشطة العسكرية في بلدة سيلوبي أقرب البلدات التركية من الموصل، حيث تنشر تركيا هناك في الوقت الحالي بطاريات مدفعية الهاوزر عيار 155 مم لتغطية منطقة طولها 40 كم.

والآن إذا قرأنا التقارير عن توجيه أنقرة ألوية ميكانيكية مدرعة إلى بلدة سيلوبي، فإن في ذلك إشارة لنا على أن أنقرة قد تخلت عن الخطة باء، وانتقلت إلى الخطة جيم التي تعني إقامة منطقة عازلة في العراق، وبعبارة أخرى "عملية درع دجلة".

عن الكاتب

متين غورجان

محلل أمني وعسكري. عمل مستشارا عسكريا في السفارة التركية في كل من أفغانستان وكازخستان وقيرغزستان فيما بين 2002-2008


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس