ترك برس

وضع رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم بمشاركة جمع من الوزراء ورجال الأعمال حجر الأساس لمركز إسطنبول التمويلي الدولي "إي أف أم" في الخامس عشر من الشهر الجاري، معربًا خلال كلمته في حفل الافتتاح، عن آماله الكبيرة في أن يصبح المركز محورًا أساسيًا لعمليات تحويل السيولة عبر القارات وأن يشكل مركزًا أساسيًا لاستقطاب الاستثمار الأجنبي إلى تركيا.

تعود فكرة تأسيس المركز إلى ما قبل عشرة أعوام ولكن الحكومة التركية انتظرت طيلة هذه المدة حتى ترسي الدعائم الاقتصادية الأساسية لجذب الاستثمارات الأجنبية، وقد وضع للمركز شعار "مركز إقليمي في البداية، وعالمي في النهاية".

وحسب المذكرة التأسيسية للمركز، فإن الحكومة التركية تسعى إلى جعله مركزًا عالميًا بحلول عام 2018، وتهدف في العام نفسه إلى تأهيله للحصول على مرتبة في مصاف الدول الخمسة والعشرين وفقًا لمؤشر مراكز التمويل العالمية من حيث الثقة ومقدار السيولة.

مركز إسطنبول التمويلي العالمي

يقع مركز إسطنبول التمويلي في أتاشهير بمدينة إسطنبول، وتسعى الحكومة التركية من خلاله إلى تحويل مدينة إسطنبول إلى مركز تمويلي عالمي ضخم كمدينة دبي ولندن ونيويورك وطوكيو.

تبلغ مساحة بناء المركز 500 ألف متر مربع تنقسم إلى 560 ألف للمكاتب الحكومية والخاصة و90 ألف لمراكز التسوق و70 ألف للفنادق و60 ألف للإقامة شبه الدائمة، كما سيتم تخصيص مساحة لا بأس بها كمركز ثقافي يعرض بمشاريع التمويل ويتسع لاستقبال ألفين شخص، وبذلك يظهر المركز كمدينة متكاملة لإدارة عمليات التمويل التحويلية والاستثمارية على الصعيدين الإقليمي والعالمي.

وفي إطار التسهيلات التي تسعى الحكومة لتوفيرها، أعلنت بلدية إسطنبول الكبرى أنها ستعمل على إنشاء خطي مترو يمران بالقرب من المركز، بالإضافة إلى تخصيص طريق مواصلات سريعة لتسهيل حركة الذهاب والإياب إلى المركز.

وفي لقائه مع وكالة الأناضول، أشار وزير المالية التركي "ناجي أغبال" إلى أن المركز سيتم تمويله في البداية من الخزينة التركية بخمسين مليون ليرة، 16 مليون دولار، موضحًا أن هذا المبلغ سيمول المشاريع المحلية والقطرية والعالمية بشروط يسيرة تضمن لتركيا والمستثمر الفائدة.

وأفاد أغبال أن المركز سيعمل وفقًا لنظامي التمويل التقليدي والإسلامي، منوّهًا إلى أنه سيتم فتح الباب أمام العملاء المحليين والأجانب لوضع أموالهم في المركز لاستثمارها في المشاريع التجارية والصناعية والزراعية والخدمية.

وأكّد أغبال أن تركيا ستفرض ضرائب جمركية صغيرة على التحويلات النقدية من خلال المركز، موضحًا أن الحكومة ستعمل على توفير برامج توجيهية مكثفة للمستثمرين لزيادة رغبتهم في الاستثمار ضمن المشاريع المدارة من قبل الحكومة التركية.

وتستقطب إسطنبول اليوم السيولة الأجنبية للاستثمار من خلال بورصتها التي تأثرت بالموجات السياسية والأمنية التي تعرضت لها تركيا مؤخرًا، حيث تهاوت مرتبتها العالمية من الدرجة الثانية والأربعين خلال عام 2014 إلى الدرجة الخامسة والأربعين خلال عام 2016، وبعد محاولة الانقلاب انخفضت مرتبة بورصة إسطنبول إلى الدرجة السابعة والخمسين وفقًا لمؤشر مراكز التمويل العالمية.

وفي هذا السياق، قالت الخبيرة الاقتصادية "خديجة كاراهان" إن حالة عدم الاستقرار الداخلية والإقليمية التي تشهدها تركيا هي العامل الرئيسي في حدوث ذلك، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة استمرار الهبوط فأعمال البورصة قائمة بشكل أساسي على توقعات المستثمر، فإن تم تحقيق استقرار قوي مع تسهيلات اقتصادية فريدة فإن توقع المستثمر سيصبح إيجابيًا قطعًا وستعود درجة تركيا للارتفاع.

وأشارت إلى أنه بالرغم من حدوث انخفاض طفيف في درجة التصنيف التمويلي لتركيا، إلا أنها حافظت على درجتها الاستثمارية كاستثمارات عابرة للحدود الوطنية أو ما يعرف بـ "established transnational"، أي أن الاستثمارات الموجودة في البورصة ما زالت تابعة لشركات متعددة الجنسية ولسيولة عالمية واسعة ومتعمقة في أكثر من مجال، موضحةً أن نوعية الاستثمارات التي كانت موجودة في بورصة إسطنبول قبل ستة شهور كانت عابرة للحدود الوطنية، ولكنها أكثر تنوعًا ويتم تعريفها بالشكل التالي "transnational diversified".

وفي مقالها بصحيفة يني شفق "أسس مركز إسطنبول التمويلي"، نقلت كاراهان عن التقرير العالمي الخاص بمؤشر مراكز التمويل العالمية العام الماضي إشارته إلى أن بورصة إسطنبول ستقطع 15 درجة متقدمة إذا استمرت في استقطاب الاستثمارات القطرية والعالمية بهذه الوتيرة، ولكن محاولة الانقلاب الفاشلة أحبطت هذا التوقع.

ورأت كاراهان أن توقع التقرير يدل على أن إسطنبول قادرة على أن تصبح مركزًا رئيسيًا للتمويل المحلي والإقليمي والعالمي، مبينةً أن تأسيس مركز خاص للسيولة التمويلية كان خطوة لا بد منها منذ قدوم حكومة حزب العدالة والتنمية إلى سدة الحكم، فالبورصة تعمل في نطاقات إدارية واقتصادية عدة، أما المركز التمويلي فيتعلق عمله فقط باستقطاب السيولة وتسخيرها في عمليات الاستثمار المتنوعة، فتحمل المركز التمويلي لمهمة واحدة وتوجيه أفرعه وكوادره فقط في إطار استقطاب السيولة سيحقق لتركيا ما تطمح إليه من الحصول على مرتبة عليا في مصاف الدول الأكثر جذبًا للسيولة التمويلية.

وبالاطلاع على تقرير مؤشر مراكز التمويل العالمية، نلاحظ أن إسطنبول حازت على المرتبة الأولى إقليميًا قبل ستة شهور، إلا أنها تهاوت من المرتبة الأولى إلى المرتبة الرابعة نتيجة محاولة الانقلاب الفاشلة وخفض موديز لتصنيفها الائتماني.

قفزت بورصة إسطنبول من المرتبة الواحدة والسبعين خلال عام 2011 إلى المرتبة الخامسة والأربعين في عام 2016، ولذلك دلالة واضحة على الإمكانيات التي تملكها إسطنبول لتحقيق ما تصبو إليه، ولكن لا بد من وضع الحكومة التركية 5 عناصر مهمة بعين الاعتبار لتحقيق ما تسعى إليه وهي: زيادة وتيرة الترويج للمعلوماتية، وتوفير البيئة المناسبة لإلحاق المؤسسات العالمية بالمركز، وتطوير قطاع التمويل بتطبيق المعايير العالمية، وتطوير القدرات البشرية من لغة ومعرفة إدارية واقتصادية، والحفاظ على سمعتها الاستراتيجية، وإذا اجتمعت هذه العناصر يمكننا التنبؤ بإمكانية نجاح إسطنبول كمركز تمويلي.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!