جيم كوتشوك – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس

عندما بدأت الحرب العراقية الإيرانيّة، كانت الولايات المتّحدة الأمريكية تدرك أنّها ستضرب عصفورين بحجرة واحدة. حيث كان الأمريكيين لا يرغبون بانتصار أحد الطّرفين على الآخر آنذاك. وكانوا يريدون إطالة أمد هذه المعركة. وبذلك تكون الولايات المتّحدة قد استطاعت أن تنهك الطّرفين من دون أن تتدخّل فعليّا في هذه المعركة.

قام الرئيس الأمريكي " دونالد ريغان" آنذاك بإرسال "دونالد رامسفيلد" والطّاقم الخاص للاستخبارات الأمريكيّة إلى بغداد لعرض الدّعم الأمريكي للرّئيس العراقي صدّام حسين في حربه ضدّ الإيرانيين. فبعد أن حصلت الشّركات الأمريكيّة على موافقة اللجنة التّجاريّة، قاموا بتزويد العراق بالجمرة الخبيثة والمبيدات الحشريّة السّامة. وقد قامت القيادة العراقيّة باستخدام هذه المبيدات ضدّ الأكراد في منطقة "حلبجه". ففي صبيحة 16 آذار / مارس من العام 1988، ذهب ضحيّة هذه الغازات السّامة ما يقارب 6357 شخصا، بينهم الكثير من النّساء والأطفال. إنّ هذه المجزرة كانت إحدى أهمّ الصّفعات التي تلقاّها الأكراد من الولايات المتّحدة الأمريكية آنذاك.

ومع تتابع الأيّام وما إن وضعت حرب الخليج الأولى أوزارها، حتّى انسحبت الولايات المتّحدة الأمريكية من المنطقة. وكان باستطاعة الأمريكيّين آنذاك أن يطيحوا بنظام الرئيس العراقي صدّام حسين. إلّا أنهم لم يفعلوا ذلك خشيةً من سيطرة الإيرانيين على المنطقة في حال زوال نظام صدّام حسين.

ونتيجة لحرب الخليج الأولى تمّ تهجير الآلاف من الأكراد من مناطقهم وتشتيتهم في أرجاء العراق وخارجه. وقد لجأ البعض منهم إلى تركيا آنذاك. وكانت هذه هي الصّفعة الثّانية من الولايات المتّحدة الأمريكية للأكراد في العراق.

في عام 2003 عندما قرّرت الولايات المتّحدة احتلال العراق، منحت الأكراد فرصة تاريخية. حيث كان الطّالباني والبرزاني يدركون أهميّة هذه الفرصة. وكان البرزاني يقلّل من شأن الأتراك آنذاك. حيث كان يقول بأن الجيش التّركي لا يختلف عن جيش صدّام حسين.

لكن وبعد مرور خمس سنوات فقط على تصريحات البرزاني، انقلبت الموازين رأساً على عقب. وبدأ البرزاني نفسه يدلي بتصريحات مناقضة تماماً لما كان يقوله قبل ذلك. حيث صرّح البرزاني بأنّ الأكراد أيقنوا بأنّهم لن يستطيعوا أن يحافظوا على استمراريّتهم في المنطقة بدون تركيا. كما شدّد " نجيرفان برزاني" على أهميّة البوّابة التّركية بالنسبة للأكراد.

لقد انطفئت شمعة حزب الاتّحاد الديمقراطي الكردي وجناحه العسكري الذي تأسّس عام 2013 والذي قيل بأنّهم صنعوا ثورةً في سوريا سريعا. فبلدة كوباني كانت على وشك السّقوط بيد تنظيم الدّولة الإسلامية لولا المساعدات الأمريكيّة التي أدّت إلى انسحاب تنظيم داعش منها.

إنّ الذين كانوا يتّهمون القيادة التّركية التي نادت بإسقاط نظام الأسد، بالتّدخّل في الشّؤون الدّاخليّة لسوريا، هم أنفسهم يطالبون الحكومة التركية الآن بالتّدخّل لإنقاذ بلدة كوباني.

لبّت الولايات المتّحدة الامريكية نداء استغاثة الأكراد. لكن ماهي الغايات والأهداف الكامنة وراء هذه التلبية. فقد قصفت الطّائرات الأمريكية بلدة كوباني 135 مرة. وخلال هذه الغارات بدأ بعض القوميّين الأكراد بالإدلاء ببعض التّصريحات ضدّ الحكومة التركيّة معتمدين بذلك على مساندة الولايات المتّحدة الأمريكية لهم. مع العلم أنّ الولايات المتّحدة الأمريكية لا تقدّم العون لأحد من دون مقابل. لكن مع مرور الزّمن سيدرك أكراد سوريا هذه الحقيقة.

وفي هذا الصّدد صرّح مسؤول الدّفاع والاستخبارات في إقليم كردستان العراق "لاهور طالباني" عبر حسابه على الفيسبوك، عن تفاصيل المساعدات العسكريّة والطّبّية الأمريكية للمقاتلين الأكراد في كوباني. حيث قال "لقد استطعنا أن نوصل 24 طن من الأسلحة والذّخيرة إلى وحدات الدّفاع الشّعبي في كوباني بالإضافة إلى عشرة أطنان من المواد الإغاثيّة. وذلك في تمام السّاعة الثّانية والنّصف من صبيحة هذا اليوم. وقد تمّ إيصال المساعدات عبر ثلاثة طائرات أمريكية من طراز (C130)".

أعلن وزير الخارجيّة الأمريكي جون كيري أنّ الإمتناع عن تقديم السّلاح للأكراد الذين يقاتلون داعش، عمل غير مسؤول وغير أخلاقي. مع العلم أن تنظيم داعش يقتل الشّيعة والأكراد. والشّيعة تقتل التّركمان. لكن الولايات المتّحدة لا تحرّك ساكنا عندما تهاجم المجموعات الشّيعيّة للتّركمان.

بالإضافة إلى ذلك فإن أنقرة لا ترى أيّ فرق بين تنظيم (PYD) وتنظيم (PKK )  فكلاهما تنظيمين إرهابيّين بنظر الحكومة التّركية. وقد صرّح الرئيس رجب طيب أردوغان بهذا الشيء، وقال إن طلب الولايات المتّحدة دعم تركيا لهذا التنظيم غير منطقي، وأكّد أن تركيا لا تدعم تنظيم إرهابيّا لقتال تنظيم إرهابيّ آخر. كما أكّد أردوغان رفض بلاده لمثل هذه المطالب حتى ولو جاءت من الولايات المتّحدة الأمريكية التي تعتبر حليفة لتركيا في حلف النّاتو.

من ناحية أخرى يبدو وكأنّ الإدارة الأمريكية نسيت أن الـ "بي كا كا" منظّمة إرهابيّة. فهذه الإدارة تتحرّك وفقا لمقتضيات مصالحها في المنطقة. فهم يلتزمون الصّمت حيال ما يقوم به نظام الأسد من جرائم وحشيّة، تسبّب بمقتل ما يزيد عن 200 ألف شخص حتّى الآن.

كانت هذه المنطقة الجغرافية مسرحا للعديد من الحروب والمعارك. فالدّول الغربية ومن وراءها الأمريكان تخلّوا عن الفئات التي كانوا يدعمونها. ولا أحد يضمن للأكراد استمرار هذا الدّعم الغربي والأمريكي. وإنّه من غير المعقول تلك التّصريحات من بعض الأكراد القوميين ضدّ الحكومة التركية. فصحيح أن الولايات المتّحدة الأمريكية تدعم الأكراد اليوم، لكن في الغد القريب لا أحد يضمن استمرار هذا الدّعم. فعلى الأكراد أن لا يهاجموا الحكومة التركية بتصريحاتهم معتمدين على الدّعم الأمريكي. وقد رأينا كيف أن البرزاني أيقن هذه الحقيقة مبكّرا.

فالولايات المتّحدة الأمريكية لا تقف ضدّ الدّولة التركية حتى ولو اختلفت معها في الأراء السياسيّة. فإن خيّرت الولايات المتّحدة الأمريكية، فستختار الوقوف بجانب الدّولة التركيّة.

صحيح أن الوضع مؤلم في بلدة كوباني، لكن على الأكراد أن لا يستغلّوا هذا الوضع للتّهجّم على الدّولة التركية بالاعتماد على الدّعم الأمريكي. فليس من الغريب أن تتخلّى الولايات المتّحدة عن دعم الأكراد بين ليلة وضحاها كما تخلّت عنهم في موقعة حلبجه والسّليمانيّة وشمال العراق.

عن الكاتب

جيم كوتشوك

كاتب في صحيفة يني شفق


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس