د. علي حسين باكير - العرب القطرية

حينما كان لا يزال مايكل فلين مستشاراً للشؤون الأمنيّة لدى دونالد ترمب، وقبل أن يقوم الأخير بتعيينه مستشاراً للأمن القومي بأيام، دعا فلين علناً إلى تسليم غولن إلى تركيا، وكتب مقالاً بعنوان: «حليفتنا تركيا في محنة وتحتاج إلى دعمنا»، أشار فيه إلى أنّ «الولايات المتّحدة تؤوي أسامة بن لادن الخاص بها من وجهة نظر الحكومة التركية».

أثار هذا الموقف ارتياحاً كبيراً لدى عدد من المسؤولين الأتراك، ولم يخفِ بعضهم تفاؤله في أن تقوم إدارة ترمب المقبلة بتسليم فتح الله غولن إلى تركيا لوقوفه خلف الانقلاب الفاشل الذي جرى في 15 يوليو الماضي. لم ينعكس هذا التفاؤل على الموقف من ملف غولن فقط، وإنما امتد ليشمل إمكانية فتح صفحة جديدة من العلاقات التركية- الأميركية مع استلام الإدارة الأميركية الجديدة للسلطة في بداية العام القادم.

خلال الأشهر الماضية، قامت السلطات التركية بإرسال ما تقول إنّه «أدلّة تدين فتح الله غولن» إلى الجانب الأميركي. وبالرغم من ذلك لم تقم إدارة أوباما باحتجاز غولن كما تنص عليه اتفاقية تبادل المجرمين بين الطرفين، ولم تقم طبعاً بتسليمه إلى تركيا، وبدلاً من ذلك، أوحت بأنّ الجانب التركي يعمل وفق أجندة سياسية وليس قضائية. بمعنى آخر، حاولت الإدارة الأميركية التركيز دوماً على أنّ مسألة تسليم أو ترحيل فتح الله غولن لا تخضع لقرار سياسي وإنما قضائي، وأنّه لا يحق لها التدخل في عمل القضاء بالنظر إلى استقلاله الذي يحصّنه أمام التدخلات السياسية.

في المقابل، هناك من يعتقد أنّ للتوجه السياسي للإدارة الأميركية تأثيرا ممكن ومحتمل على الجانب القضائي، وإن كان بشكل غير مباشر. ولهذا السبب بالتحديد، حذّر محامو فتح الله غولن الرئيس المنتخب دونالد ترمب من اللجوء إلى وسائل للضغط على القضاء لترحيل غولن من الولايات المتّحدة إلى تركيا، خاصّة بعد موقف فلين العلني، كما أمل المحامون أن لا يكون هذا المقال بمثابة بيان سياسي للرئيس المنتخب.

وفي بيان خاص ردّاً على المقال، قال محامو فتح الله غولن: إنّ «الترحيل عملية جديّة تحكمها اتفاقية مع تركيا توضّح بشكل قاطع الخطوات المطلوبة في مثل هذه الحالة، ولا يجب أن يتم تحويلها إلى مسألة سياسية. الولايات المتّحدة لديها مؤسسات ديمقراطية بما في ذلك نظامها القضائي. نحن نتوقع، وواثقون أنّ هذا ما سيكون عليه الوضع أيضاً مع الإدارة المقبلة».

مضمون الرسالة يعطي إنطباعاً أنّ للموقف السياسي وزنه في المعادلة أيضاً، وهناك من يلفت الانتباه إلى أنّه باستطاعة وزير الخارجية أن يعطّل القرار القضائي القاضي بتسليم متّهم إلى دولة أخرى بذريعة الخوف من تعرّضه للتعذيب أو الإعدام، فإذا كان ذلك ممكناً، فلا شك أنّ التدخل السياسي بشكل معاكس قد يكون ممكناً أيضاً، نظرياً على الأقل.

ومع ذلك، فمن البساطة بمكان توقّع تسليم غولن إلى تركيا بسهولة، فالعملية قد تتطلب أشهراً، وربما يتم تمديدها لسنوات، فضلاً عن أنّ احتمال تحقّق سيناريو ثالث يتحدّث عن إمكانية هروب أو تهريب الرجل إلى دولة ثالثة لا تمتلك اتفاقيات تبادل أو إعادة المتهمين أو المجرمين مع تركيا يبقى قائماً.

عن الكاتب

د. علي حسين باكير

مستشار سياسي - باحث في العلاقات الدولية والشؤون الاستراتيجية


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس