محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس

إن مما لا شك فيه أن أهالي تلعفر كانوا متآلفين ومتسامحين فيما بينهم حتى دخول القوات الأمريكية المحتلة إلى تلعفر وهذا يعرفه القاصي والداني من أبناء العراق لدرجة أنهم كانوا يتهمون بالعنصرية والتعنصر لأبناء بلدتهم دون تفريق بين أي مكون سني أو شيعي، وهذه التسمية الدخلية قد أذكاها السياسيون الذين حاولوا جاهدين لجعلها أولى الثغرات التي يستطيعون النفاذ من خلالها لكونها عاهة أرادوا أن تكون مستديمة في الجسد التلعفري الواحد إذا ما أتيح لها أن تعشعش في هذا الجسد، ولكن هذه العاهة لم تفرق بين الجسد الواحد بل شتت شملهم في أرجاء الأرض واختارت لهم مكرهين نواحي وزوايا حددتها لهم انتمائهم المذهبي وجعلت البون الخلاف يتسع تدريجيا حتى وصلت إلى حد لا يستطيع العقل البشري استيعابه وتقبله وهم أصحاب دين واحد وقومية واحدة ونسوا وتناسوا مرغمين على عدم ذكر ماضيهم الناصع عندما كانوا إخوة تجمعهم أواصر المحبة والنسابة والقرابة.

لم تكن تلعفر المدينة التركمانية إلا هدفا لكل المؤامرات التي نشأت من أجل هدم البنيان العراقي، ولأن تلعفر كانت وما زالت قلعة عصية على الأعداء ومفشلة كل المخططات الخبيثة بسواعد رجالها وأبطالها في عموم الوطن الكبير لذا سعى أهل المآرب المريضة إلى استهدافها بكل قواتهم المسلحة والخبيثة للنيل منها وإخراجها من دائرة المقاومة وتم لهم ما أرادوا هذه المرة مع بالغ الأسف.

لم يكن طعم ثمارالتين هو وحده حلاوة الناس في تلعفر بل كانت طبيعتهم الطيبة وأصالتهم وحلاوة لقاءاتهم وترحيبهم بضيوفهم وكرمهم هي حلاوة أخرى تضاف إلى حلاوة هذه الثمرة المباركة التي من الله بها على هذه البلدة الآمنة.

ومن المآثر الجيدة والحسنة للأهالي هو تكافلهم في أشد الأوقات صعوبة وكلنا يتذكر أن الحصار الاقتصادي الظالم على العراق بعد احتلال الكويت قد جلب الويلات على العراقيين جميعا ولكن تلعفر التي احتفظت بوحدتها وتكافئها وتكافلها استطاعت أن تعبر هذه المحنة الصعبة جدا لأهلها وحتى لجيرانها من القرى القريبة وربما البلدات القريبة فلم يفتح أي مطعم فيها ولم يقم فندقا في تلعفر، فكان الزائر إلى المدينة ضيفا على أحد بيوت الأهالي كونه مطعم ومشرب ومسكن له وهذا لا ينكره أحد من الذين زاروا تلعفر، بل الأجمل من كل هذا لم يظهر في تلعفر أي شخص أو امرأة أو طفل يستجدي في أيام الشدة فقد كان الأهالي يكفلونهم بدون طلب وبدون الانتقاص من شأنهم.

والحديث عن عهد مابعد سقوط المدينة بيد داعش وما قبلها وما جرت من أمور غريبة على أهلها وانتشار المظاهر المسلحة والقتل والانفجارات والانتساب إلى منظمة القاعدة لبعض المغرر بهم، فالكلام عنه يستوجب معرفة عدة أمور أولها أن كل المدن العراقية السنية ابتليت بهذا التنظيم وأيضا العشائر والقبائل في القرى والأرياف لها أفراد قد أرغموا بالدخول إلى التنظيم والشيء الثاني أن هولاء الذين خدعوا بهذا التنظيم كانوا من صغار السن والمراهقين غير الواعين لحقيقة التنظيم والشيء الأخير أن قسما من هولاء قد آثروا الانتقام لأنفسهم بسبب التعذيب الوحشي في السجون الحكومية وربما انتقاما لإخوانهم أو آبائهم كانوا قد ودعوا في السجون الحكومية التي كانت تسيطر عليها الطائفة الأخرى الشيعية، وعليه لا بد من تشخيص سبب المشكلة الحقيقية لهذه النزعة الطائفية وخصوصا في ما بعد تحرير المدينة لأن الحكومة المركزية والحكومات المحلية كانت سببا مباشرا لإفشاء ظاهرة الطائفية وخصوصا في المدن التي تحوي المكونين السني والشيعي ومنها تلعفر على وجه الخصوص بسبب عدم خلق توازن في أجهزة أمن المدينة وإقصاء الطرف الآخر وهذه هي إحدى الأسباب الرئيسية في مشكلة تلعفر تليها أسباب أخرى أقل تأثيرا منها.

أما الكلام عن علاقة أهالي تلعفر مع جيرانهم في المنطقة والمشاكل التي حدثت في الفترة الأخيرة وبالأخص في قضية قرى سنجار ومسألة اختفاء اليزيديات واختطافهن فكانت من أروع صفحات تاريخ المدينة تجاه هذه القضية لأن الأهالي في تلعفر لهم علاقات ممتازة مع القرى اليزيدية وعند اشتداد المعارك بين القوات الحكومية وداعش لجأ بعضا من أهالي تلعفر من المكون السني والشيعي إلى القرى القريبة والتي يقطنها اليزيدية هربا من القصف المدفعي والصاروخي ومن بعدها تم نقلهم إلى الموصل وعليه  فإن كلامنا عن العلاقة الجيدة بين أهالي تلعفر واليزيدية لا تشوبها أية شائبة فهم منذ القدم إخوان بالدم (كريف) الفاء المعجمة وهولاء الذين تعاهدوا فيما بينهم كانوا على صلة قوية جدا ببعضهم البعض.

إن أهم الأمور التي يعرفها اليزيدية قبل غيرهم في تلك الأحداث أن أهالي تلعفر بصورة عامة بعد دخول داعش قد هجروها ولم يرجعوا إلى مدينتهم إطلاقا إلى يومنا هذا ولم يبقَ إلا القليل الذين لم يستطيعوا المغادرة بسسب ضعف إمكاناتهم أو بسبب مرض أو عوق، أو الذين آثروا البقاء فيها وعدم مغادرتها والشيء المهم الذي يعرفه اليزيديون أن أي شخص من أهالي تلعفر لم يهاجم أية قرية يزيدية سواء كان هذا الشخص منتميا إلى داعش أم لم ينتمي وهذه الحقيقة هي العلامة الناصعة في جبين أهالي تلعفر، ومع العلم أن تلعفر كانت مركزا مهما لتجمع لداعش وقد تم استيطان عوائلهم فيها أيضا.

والذي يشرف أهالي تلعفر أنهم  قد بذلوا الغالي والنفيس في سبيل إيصال العوائل اليزيدية والنساء اليزيديات إلى أهاليهم وقد تم إعدام كل من ثبتت صلته بقضية تهريب اليزيديات من السجون والدور التي أسكنوا فيها، وقد تشكلت إحدى الجمعيات التي تقوم بتدوين أسماء الأبطال من أهالي تلعفر الذين ساهموا في تهريب اليزيديات من سجون داعش وكذلك كتابة أسماء اليزيديات اللواتي تم تهريبهن وكذلك عن أسماء الأشخاص من أهالي تلعفر الذين أعدموا في هذه القضية من قبل داعش ولتكون هذه الوثيقة بعد إكمالها إحدى أهم ركائز الصداقة الحميمة بين أهالي تلعفر وبين الطائفة اليزيدية من جديد.

هذه إحدى المسائل التي لم يكشف النقاب عنها ومسألة كشف ملابساتها هي لغرض إحقاق الحق لأهالي تلعفر وخوفا من الاتهام الباطل والذي يحاول البعض إلصاقه بأهالي تلعفر ولم يدرك التضحيات الجسام لأهالي تلعفر في هذه المسألة خصوصا ولكن بكشف ملابسات هذه القضية بكل جوانبها ومن كان السبب الرئيسي والمباشر في هذه القضية سيبعد بالتأكيد أية تهمة مهما كانت صغيرة عن أي دور لأهالي تلعفر بها.

وفي الختام لا بد أن أذكر حادثة حصلت في مديرية تربية نينوى قبل أعوام الاحتلال الأمريكي لنكشف المعدن الحقيقي النفيس لأهالي تلعفر في مراعاتهم للحرمات وتطوعهم لإجارة من يقدمون إليهم أو يلجؤون إليهم فأتذكر أن الأستاذ المسؤول عن الملاك التعليمي في مديرية تربية نينوى قد يئس من قبول أية معلمة معينة مستجدة للذهاب إلى أية بلدة أخرى، وقد رافق هذه المعلمات ذووهن وأقرباؤهن للتوسط في سبيل قبولهن في مدارس مدينة تلعفر رغم أنها تبعد أكثر من ستين كيلومترا عن مركز الموصل وهناك مدارس اخرى في أقضية أخرى ونواحي قريبة من المركز لم يرغبن هن وذويهن بالتسجيل والمباشرة بها بل تمنين المباشرة في مدارس تلعفر، وهذا دليل على طيبة أهلها واحترامهم وتقديسهم للجيرة.

هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس