متين غورجان - المونيتور - ترجمة وتحرير ترك برس

بعد التفجير المزدوج الذي نفذته منظمة صقور حرية كردستان في إسطنبول وقتل فيه 36 شرطيا وثمانية مدنيين، ثارت الدولة التركية بشدة، ودعت إلى الانتقام. هل يمكن لهذا المزاج أن يعرقل قرارات عقلانية تصدرها الدولة؟

في حوالي الساعة 10.30 مساء يوم العاشر من ديسمبر/ كانون الأول صُدمت البلاد بوقوع هجومين انتحاريين، أحدهما بسيارة مفخخة والآخر نفذه انتحاري بعد مبارة لكرة القدم بالقرب من استاد فودافون أرينا في إسطنبول. أسفر الهجوم الإرهابي عن قتل 36 شرطيا وثمانية مدنيين، وجرح أكثر من 160 شخصا. تبنت الهجمات منظمة صقور حرية كردستان التي وصفتُها في مقال سابق بأنها صممت لتكون قوة وقائية ضاربة بالوكالة عن حزب العمال الكردستاني.

قلت في مقالي المنشور في ديسمبر 2015  بعنوان "هل تمتد الاشتباكات إلى غرب تركيا" إن حزب العمال الكردستاني الذي يترنح تحت ضغط شديد في جنوب شرق تركيا وشمال سوريا اختار استخدام منظمة صقور حرية كردستان وكيلا عنه لتنفيذ هجمات في المناطق الحضرية، وبالتالي تخفيف الضغط الذي يتعرض له، وتوسيع جبهة القتال، وإرسال رسالة إلى قاعدته "بأننا مازلنا أقوياء".

لماذا لا ينفذ حزب العمال الكردستاني بنفسه هجمات على أهداف مهمة في غرب تركيا؟ الحزب ليس على استعداد لتشويه سمعته الدولية الإيجابية التي اكتسبها في حربه على تنظيم الدولة الإسلامية، ولا يريد أن يحكم عليه الرأي العام العالمي بأنه جماعة إرهابية (على الرغم من أن تركيا والولايات المتحدة تعدانه تنظيما إرهابيا بالفعل). وهذا هو السبب في أن الهجمات ينفذها وكلاء لا توجد لهم صلات نشطة بحزب العمال الذي يرفض الاعتراف بوجود تنظيم صقور كردستان، وهي ظاهرة جديدة لم تعتد عليها أنقرة.

ومن الجدير بالذكر أيضا أن هذه الهجمات جاءت في الوقت الذي بلغ فيه النقاش حول الرئاسة التنفيذية ذروته بعد أن وافق حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية المعارض على التعديل الدستوري. وبطبيعة الحال نحّت هذه التفجيرات النقاش حول النظام الرئاسي جانبا.

وفيما يلي بعض التفاصيل عن التفجيرات: اشتريت السيارة المستخدمة في الهجوم من إسطنبول قبل أسبوع، وحملت بالمتفجرات وسلمت إلى انتحاري من منظمة صقور كردستان. ويعتقد خبراء عاينوا مسرح الجريمة أن المتفجرات المستخدمة كانت من النوع العسكري بسبب الحرارة الشديدة المتولدة عن الانفجار، فقد أحدث التفجير حفرة بعمق مترين.

حُددت هوية المهاجمين بأنهما رجلان، وتمكنت الشرطة من تتبع معظم تحركاتهم في إسطنبول باستخدام لقطات من كاميرات المراقبة الأمنية في المدينة. انتظرت السيارة المفخخة التي تحمل الانتحاريين حتى تفرقت الحشود الكبيرة من مبارة كرة القدم، ثم نزل أحدهما ويحمل حقيبة على ظهره، أما الآخر فقاد السيارة المحملة ب400 كغم من المتفجرات إلى المكان الذي تجمع فيه رجال الشرطة بعد إنهاء مهمتهم. وبعد خمس وأربعين ثانية من تفجير الانتحاري للسيارة، اعترض رجال الشرطة الانتحاري الذي يحمل حقيبة على ظهره بينما كان يمشي متجها نحو نقطة تجمعهم، لكنه فجر نفسه وقتل خمسة من رجال الشرطة ومدنيا.

يسأل الناس الآن كيف يمكن التزود بهذه المتفجرات ونقل الانتحاريين إلى إسطنبول لشن هذه الهجوم المخطط له جيدا في بلد يخضع لحالة الطوارئ والاستنفار الأمني لمدة خمسة أشهر. وقعت التفجيرات بعد يومين من عملية واسعة النطاق لفرض القانون والنظام نفذها خمسون ألف شرطي.

المناخ السياسي في تركيا لا يساعد على الإطلاق على طرح مثل هذه الأسئلة، وأن يكون هناك نقاش عقلاني حول هذه القضية. وبصفتي محللا شارك شخصيا في الحرب على الإرهاب في تركيا في أواخر عقد التسعينيات، وبصفتي الآن أكاديميا على مدى العامين الماضيين أحاول تتبع قضايا الإرهاب، وأود أن أعرض انطباعاتي.

للمرة الأولى أرى الدولة مفرطة في العاطفية والغضب، ويمكن ملاحظة ذلك في تصريحات صناع القرار السياسي بعد الهجمات. قال وزير الداخلية سليمان سويلو الذي تحدث في جنازات الضحايا بحضور الرئيس، رجب طيب أردوغان، ورئيس الوزراء، بن علي يلدريم، "سيف الدولة طويل. سنحاسبكم. ربما يتساءل بعضكم ماذا سيكون رد فعلنا. أعدكم أمام شهدائنا أن الانتقام قادم".

وقال سويلو في خطاب آخر مشيرا إلى حزب العمال الكردستاني "أين الدولة التي قلتم إنكم ستقيمونها؟ هل تستطيعون أن تتجاوزا العيش مثل الحيوانات في الكهوف على الجبال؟ هل لديكم أحد يبكي عليكم ويصلي لروحكم بعد أن أزهقتموها؟ بدءا من الغد فإن المهمة الأولى لقوات الأمن التركية هي الانتقام من الجناة".

زار الرئيس أردوغان مقر الشرطة الذي كان هدفا للهجمات، وقال لقوات الشرطة هناك "الدولة والحكومة تدعمكم. لا تترددوا أبدا في استخدام السلطة الممنوحة لكم في مكافحة الإرهاب. استخدموا حقوقكم. لا تظهروا الشفقة للمعتدين الغاشمين، بل افعلوا كل ما هو ضروري".

كما زار وزير البيئة والتخطيط المدني، محمد أوزهاسكي، مجمع الشرطة بعد الهجوم، وقال: "يجب أن يعلم هؤلاء الناس أننا لن نهزم، ولن نستسلم لليأس. نحن جميعا مرشحون للشهادة. إذا شاء الله فسوف أكون أنا أيضا شهيدا".

يتوقع الآن أن تتبنى أنقرة إجراءات أكثر قوة في الحرب على حزب العمال الكردستاني، والقضاء على التنظيم وجميع المرتبطين به سياسيا واجتماعيا وثقافيا. بحسب ما قاله بعض كتاب الأعمدة والصحفيين فمن الآن فصاعدا لن يُتسامح مع أي تعبير عن التعاطف مع حزب العمال الكردستاني الذي جاء عنه في إحدى المقالات "أنه يعيش أيامه الأخيرة، وأن نهايته قد اقتربت". فعلى سبيل المثال، فبعد هذه الهجمات سيكون على نواب حزب الشعوب الديمقراطية الكردي ومسؤوليه إما الاستقالة وقطع صلتهم بالحزب، أو أن يثعاملوا هم أنفسهم بوصفهم إرهابيين.

ستتعامل أنقرة بلا شك مع أي شخص ينتمي إلى حزب الشعوب الديمقراطي أو يتعاطف مع حزب العمال الكردستاني بقبضة من حديد.

ثم يأتي بعد ذلك شمال سوريا، فتنظيم صقور كردستان الذي نفذ هجمات في شهري فبراير ومارس في أنقرة وإسطنبول وفي السابع من يونيو/ حزيران في إسطنبول تحول إلى تلقي التدريب في شمال سوريا.

هناك مزاعم جادة بأن مرتكبي الهجوم الأخيرة، الذي أعلنت تركيا الحداد الوطني بسببه لأول مرة خلال عدة سنوات، قد تلقيا تدريبهم على العبوات الناسفة بسرية مطلقة، كل على حدة في معسكرات خاصة في مقاطعة كوباني، وأن المتدربين لم يلتقيا.

تعتقد مصادر أمنية في أمقرة أيضا أن العبوات الناسفة المستخدمة في هجوم إسطنبول من النوع العسكري وجاءت من شمال سوريا، ومن ثم فإن هناك شعورا متزايدا بأن أنقرة تدرس بجدية التدخل العسكري في مقاطعة كوباني شرقي نهر الفرات في شمال الرقة. وهذا يعني بدوره خلافا حادا في العلاقات الأمريكية التركية.

عن الكاتب

متين غورجان

محلل أمني وعسكري. عمل مستشارا عسكريا في السفارة التركية في كل من أفغانستان وكازخستان وقيرغزستان فيما بين 2002-2008


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس